حفر الراميان فهيد الديحاني وعبدالله الطرقي الرشيدي اسميهما بحروف من ذهب وبرونز في ذاكرة تاريخ الكويت الرياضي، بحصول الديحاني على أول ذهبية للعرب في أولمبياد ريو، وفي تاريخ الكويت، ليلحق به الطرقي حاصلاً على البرونزية الأولمبية، فيحظيان باحتفاء وطني مستحق وغير مسبوق، توّجه صاحب السمو الأمير بتقليدهما الأوسمة ومكافأتهما باسم الشعب والحكومة.سطّر البطلان مثالاً ناصعاً لنجاح الجهود الجماعية الممنهجة والرصينة لإدارات رياضية متجردة وحصيفة، عملت بصمت ووقار لسنين طويلة واحتضنت الموهبتين المتوقدتين ورعتهما بحرفية ومهنية عالية، مستهدفة تحقيق الميداليات الذهبية الأولمبية ورفع علم الكويت في المحافل الدولية.
هٰذان العملاقان أشاعا بانتصارهما وتألقهما زهواً غاب عنا طويلاً، بعد أن تصحّرت لدينا الأحوال واقتحمت السياسة والمصالح الذاتية نسيج كل شيء من حولنا، لتَطمِس معالم التميّز والريادة، وتتراجع الرياضة إلى حيث المراتب المتأخرة التي تحتلها بلادنا اليوم وبكل أسى في شتى ميادين التنافسية العالمية.البطلان أصرّا على انتشال وطنهما من مستنقع اليأس إلى ذرىٰ الإنجاز، وتفجير ينابيع الفرح في قلوبنا، وإن كان فرحاً بطعم المرارة، حيث شاهدنا بطلينا متحسّرين وهما يقفان بقامتيهما الشامختين على منصّات التتويج في الأولمبياد، دون أن يرتفع علم بلادنا فوق هامتيهما، أو يُعزف النشيد الوطني الكويتي كغيره من أناشيد الدول المتوّجة بالانتصارات، واكتفى المنظمون (للأسف) برفع العلم الأولمبي خلفهما، وهو مأوى اللاجئين وفاقدي الأوطان والمبعدة بلادهم عن المنافسات الأولمبية!دروس انتصارات الديحاني والطرقي عميقة جداً، لانطوائها على ثنائيات متاضدة ومؤلمة، فمن جانب تابعنا مسؤولين في رياضتنا اندفعوا خارج حدود بلدهم تدويلاً لصراعاتهم الداخلية، وتشفياً وانتقاماً من خصومهم المحليين، حتى تحقق لهم وبدمٍ بارد حجب رياضات بلادهم عن المشاركات الخارجية إقليمياً وعربياً ودولياً!!في المقابل، أدهشنا إصرار وعزيمة ثلّة من أبناء الكويت الرياضيين المخلصين الذين تساموا فوق خلافات وصراعات المسؤولين في بلادهم، ووضعوا مجدها نصب ضمائرهم، غير آبهين بأمر سوى إدراك البطولات باسم وطنهم الساكن ضمائرهم، مختزلين مرحلة كريهة من مراحل الجدب الرياضي بالفوز الكبير للديحاني والطرقي اللذين استقر صدىٰ طلقات بندقيتيهما في البرازيل وسط قلوب الكويتيين في كل مكان انتشاءً وجذلاً، متحققين من أن بلادهم "خُلِقت كي تُنتجَب" مثلما صدح نبيل شعيل بأنشودة "يا بلادي".نتمنى على كل من كان له إصبع في وقف الرياضة الكويتية عن المشاركات الخارجية مواصلة التواري عن الأنظار، فساحة التألق الرياضي والتفاني الوطني التي طرّزها الديحاني والطرقي، ومن رافقهما من الرياضيين، بورود الانتصارات، هي ساحة لا تحتمل المزيد من التوتر وصراعات "أنا ومن بعدي الطوفان!".ونتمنى على أهل السياسة ألا يجعلوا من الرياضة الكويتية وآلاف الرياضيين كبش فداء للتجاذب السياسي، وعدم القدرة على عزل ومعاقبة مخطئ واحد بحق الوطن، فيطيلون بذلك أمد الإيقاف وحجب المزيد من المشاركات في البطولات الخارجية، وكفانا بكاءً على اللبن المسكوب!شكراً للقدوتين الديحاني والطرقي رشّة الزهو الجميل التي نثراها نديةً علينا عبر سيمفونية الفرح في زمن القتامة.
أخر كلام
6/6 : الديحاني والطرقي رشّة الزهو الجميل
19-08-2016