كان راغورام راجان الذي قدم في الأسبوع الماضي آخر بياناته عن السياسة النقدية، بوصفه حاكم المصرف المركزي الهندي، وبشكل أثار العديد من الناس في نيودلهي، كان يعتبر بصورة عامة أشبه بـ «نجم روك». ويرجع ذلك في جزء منه الى أنه كان حاضراً بصورة غير معتادة بالنسبة الى حاكم للبنك المركزي، ولأنه كان يترأس بنك الاحتياط الأشبه بجزيرة من الكفاءة في دولة ابتليت بصناع سياسة غير أكفاء. ولكن بعيداً عن الشخصية، وعلى الرغم من بعض العثرات، كان من الواضح أن راجان سوف يستقيل في الشهر المقبل وهو يحتفظ بسجل مشرف إلى حد كبير.

وربما كان الجانب الأكثر أهمية هو أسلوبه الحاد إزاء التضخم. وطوال أشهر حتى الآن، ومع بقاء مستويات تضخم أسعار المستهلكين في الهند متدنية (بمساعدة من هبوط أسعار النفط) كان راجان هدفاً لانتقادات حادة بسبب رفضه خفض معدلات الفائدة. وكانت بعض الانتقادات التي صدرت عن مشرعي الحزب الحاكم شخصية تماماً، كما أن قادة الحزب سمحوا باستمرارها لوقت طويل. وفي نهاية المطاف (ولمصداقية الهند لسوء الحظ) اختار راجان أن يستقيل قبل أن يقال من منصبه.

Ad

وعلى الرغم من ذلك فقد أظهرت أحدث أرقام مؤشر أسعار المستهلكين في الهند أن حذر راجان كان له ما يبرره. فقد ارتفعت معدلات التضخم الى نحو 6.1 في المئة محسوبة على أساس سنوي في شهر يوليو الماضي (فوق المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي الهندي البالغ 5 في المئة في شهر مارس من سنة 2017). وكان ذلك ارتفاعاً لسنتين.

وكان هناك العديد من العقبات التي يتعين مواجهتها. وعلى سبيل المثال، فقد قررت الهند في الشهر الماضي زيادة رواتب موظفي الحكومة، وسوف يرتفع الراتب الأساسي بموجب ذلك القرار بنسبة 250 في المئة، وهو ما يضع كمية كبيرة من السيولة النقدية بين أيدي الموظفين الحاليين الذين يبلغ عددهم 4.7 ملايين شخص، اضافة الى 5.3 ملايين متقاعد. وتجدر الإشارة الى أن كل العمليات السابقة من هذا النوع كان لها تأثيرها الكبير على الطلب، وعلى التضخم.

ضريبة السلع والخدمات الجديدة

ثم هناك أيضاً ضريبة البضائع والخدمات الجديدة، وسوف يكون لها تأثير إيجابي على التضخم في الأجل الطويل، فهي سوف تنهي الدفعات المضاعفة للضريبة، ولكنها، في الأجل القصير، قد ترفع الضرائب بصورة كبيرة على خدمات معينة من شأنها دفع معدلات تضخم المستهلكين الى مستويات أعلى أيضاً.

وبكلمات أخرى، إذا أراد البنك المركزي الهندي بلوغ النسبة المستهدفة البالغة 5 في المئة في شهر مارس المقبل لن يكون في وسع راجان ان يكون أقل تشدداً ازاء معدلات الفائدة. ولم يكن أيضاً: وطرح اقتراحات تقول إن عدم خفضه للمعدلات الحالية بقدر أكبر كان «وراء المنعطف» كما أبلغ الصحافيين بأن الانتقادات كانت «من دون أساس اقتصادي»، وأن التضخم لم يكن ببساطة متدنياً كثيراً.

وأظهر راجان تصميماً مماثلاً في تحديه للقطاع المصرفي -وخاصة البنوك الكسولة الخاضعة لسيطرة الدولة والتي لا تزال مهيمنة في الهند– بسبب عدم إقرار التخفيضات السابقة في معدلات الفائدة إلى المقترضين. واتهم تلك البنوك باختلاق الأعذار المخادعة، وتعهد بأن يعمل ضمن آخر خطواته كحاكم للبنك المركزي على احداث تغييرات تنظيمية واتخاذ اجراءات صارمة ضد هذه الممارسة. وسوف تمثل تلك العملية نهاية ملائمة لفترة عمل راجان، نظراً لأن القسم الأكبر منها تركز على محاولة جعل البنوك المملوكة للدولة أكثر شفافية وأسرع استجابة.

موقف النقاد

وهكذا، ومن وجهة نظر واقعية، لم يترك راجان لمنتقديه الكثير ليشتكوا منه. كما أنه، وعبر العديد من الطرق، جعل الأمور أكثر سهولة لخليفته. وتركيزه اللافت على تضخم أسعار المستهلكين واستبعاد الأهداف الاخرى كان يعني أن الجزء المتعلق بتحديد معدلات الفائدة في عمل حاكم البنك المركزي لم يعد معقداً، كما كان من قبل، وفي شهر مارس الماضي وقع البنك المركزي اتفاقية مع الحكومة من أجل تحديد هدف رسمي للتضخم.

ولم يكن راجان متشدداً بشكل خاص في بيانه الأخير حول السياسة النقدية، تاركاً لخليفته مساحة للمناورة. وقد رفض أن يلزم البنك المركزي إبقاء معدلات الفائدة من دون تغيير، على الرغم من خشيته من ارتفاع معدل التضخم من جديد.

وسوف يعتمد الكثير الآن على من سيختاره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لتسلم منصب حاكم البنك المركزي. ويخشى كثيرون من أنه سوف يختار أحداً يحتمل بقدر أكبر أن يصغي إلى مطالب وزارة المالية في نيودلهي لتجاهل هدف التضخم وخفض معدلات الفائدة في جهد يرمي إلى تحفيز تعافي الاستثمارات واحتمال إبطال الكثير مما أنجزه راجان.

وعلى أي حال، لن يتمتع خليفة راجان بسيطرة وحيدة على معدلات الإقراض، كما كان شأن راجان، ومن شهر أكتوبر سوف تتسلم لجنة سياسة نقدية جديدة مكونة من ستة أعضاء تلك المهمة. وسوف يكون راجان آخر نجم روك في البنك المركزي الهندي.