خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأميركي شدد المرشح بيرني ساندرز على بعض الجوانب التي تفوقت فيها الدنمارك على الولايات المتحدة، وفي حقيقة الأمر فإن الدنمارك ثرية ولديها مؤشرات اجتماعية واقتصادية قوية كما أنها توفر شبكة أمان شاملة.ولكن هل يجب أن نعبر عن إعجابنا بالسياسة الدنماركية أم أن هناك أشياء خاصة تتعلق بكون المرء دنماركياً؟ ونظرة عن كثب إلى الدليل تظهر صورة أكثر تعقيداً، وهي ملائمة بقدر أكبر للطريقة الأميركية.
وقد نشر نيما سانانداجي وهو محلل سياسة سويدي ورئيس المركز الأوروبي لرواد الأعمال وإصلاح السياسة في الآونة الأخيرة كتاباً يدعى "كشف أسطورة الاشتراكية الشمالية"، وفيما قد ينطوي العنوان على قدر من المبالغة فإن حقائقه وأرقامة مقنعة.
مستويات معيشة أعلى
وعلى سبيل المثال فإن لدى الأميركيين من أصل دنماركي مقاييس مستويات معيشة أعلى بـ 55 في المئة من الدنماركيين في بلادهم، كما أن لدى الأميركيين من أصل سويدي مستويات معيشة أعلى بـ53 في المئة من السويديين ولدى الأميركيين من أصل فنلندي مستويات معيشة أعلى بـ59 في المئة من مستويات الفنلنديين، والفجوة صغيرة فقط بالنسبة إلى النرويج وذلك بسبب الثروة النفطية في ذلك البلد، ولكن حتى هناك فإن مستويات المعيشة بالنسبة إلى الأميركيين من أصل نرويجي أعلى بـ3 في المئة من مستويات النرويج، وتعتمد هذه المقارنة على أرقام سنة 2013 عندما كان سعر النفط أعلى، ولذلك ربما غدت تلك الفجوة أوسع.من بين المجموعات الشمالية لدى الأميركيين من أصل دنماركي أعلى دخل للفرد حيث يصل إلى نحو 70925 دولاراً مقابل دخل للفرد يبلغ 52592 دولاراً في الولايات المتحدة، ومن جديد ترجع هذه الأرقام إلى سنة 2013. ويلاحظ سانانداجي أيضاً أن لدى الأميركيين من أصل شمالي أوروبي معدلات فقر أدنى ونحو نصف معدلات البطالة من أقاربهم عبر الأطلسي.ومن الصعب بعد رؤية هذه الأرقام أن نستنتج أن على الولايات المتحدة اتباع سياسة دول شمال أوروبا ولعل الأفضل بقدر أكبر أن يتعلم الأميركيون أشياء من الجوانب الثقافية من الأميركيين من أصل شمال أوروبي، ويقول سانانداجي إن ذلك يشمل العمل الشاق والنزاهة والمجتمع المدني القوي والتعاون.التعليم والاستثمار في الإنسان
ونظرتي هي أن العديد من المجموعات تعمل بقوة، ولكن المهم في هذا السياق هو الأسلوب المنضبط القائم على العائلة بالنسبة الى التعليم والاستثمار في الإنسان، ولدى كل المجموعات الشمالية الرئيسة في الولايات المتحدة معدلات تخرج عالية في الدراسة الثانوية تصل إلى 96 في المئة، مقارنة مع 82 في المئة بشكل وسطي في الولايات المتحدة بصورة عامة.وفي ضوء ذلك كله هل يتعين على المرء أن يستنتج أن النظام الأميركي من السياسة والقوانين متفوق وأن على أبناء شمال أوروبا محاولة تقليد الأميركيين؟ ربما لا.ويرجع أحد الأسباب الى أن المهاجرين الشماليين إلى الولايات المتحدة ربما قدموا من شرائح أكثر تدريباً وتعليماً وطموحاً، وعلى سبيل المثال تظهر معلومات المهاجرين الدنماركيين من سنة 1868 إلى 1900 أن تمثيل العمال كان أقل وأن نسبة الفنانين والحرفيين كانت أعلى بنسبة تصل إلى اثنين، ولا غرابة أن الدنماركيين في الولايات المتحدة يحصلون على دخل أعلى نسبياً.التباين في الدخل
والأكثر من ذلك أن الدول الأكبر تميل إلى التمتع بتباين أعلى في مستويات الدخل من الدول الأصغر، والمنتجون الأكثر نجاحاً في الولايات المتحدة يبيعون بضائعهم الى الأسواق الأكبر ويحققون أرباحاً تفوق ما يحققه المنتجون الموهبون في الدنمارك. ولكن هذا سلاح ذو حدين، فالمنتجون الأقل نجاحاً يواجهون أوقاتاً في الولايات المتحدة أكثر صعوبة من تلك التي في الدنمارك، حيث توفر المراكز السكانية المركزة عادة مستويات أعلى من الضمان الاجتماعي من دون التعرض الى إساءة مستويات النظام كما هي الحال في الولايات المتحدة.ويتعين ألا يكون الهدف هو استنساخ بعض الدول لبعضها الآخر، بل أن تستعير أفضل سياسات الدول الأخرى، كما يتعين على المحافظين أنه عندما يتعلق الأمر بالفعالية التنظيمية وحرية العمل التجاري فإن لدى الدنمارك سجلها الأعلى بقدر لافت من سجل الولايات المتحدة، وذلك على الأقل ما صدر عن مؤشر مؤسسة التراث للحرية الاقتصادية.خيار الحرية
ويتعين علينا أن ندرس بقدر أكبر خيار الحرية الأوسع في الاختيار بالنسبة الى قرارات السكان، وعلى الرغم من كل المشاعر المعادية للهجرة السائدة في الوقت الراهن فإن السؤال هو: هل وجود حدود مفتوحة بصورة تامة بين الدنمارك والولايات المتحدة سيضر بالأخيرة؟ إن من شأن ذلك تحسين الناتج المحلي الاجمالي الأميركي، وربما يفضي أيضاً الى تحسين مستويات التعليم في الولايات المتحدة، ويعلمنا التاريخ أن مشاكل الاستيعاب الخطيرة ستكون غير مرجحة وخصوصاً في ضوء أن العديد من الدنماركيين يتحدثون اللغة الإنكليزية.إن الحدود المفتوحة لن تجذب الدنماركيين الذين يريدون العيش في أجواء رعاية لأن الفوائد في هذا الميدان سخية جداً في بلادهم.وتقول القاعدة البسيطة في هذا الصدد إن على الولايات المتحدة أن تفتح حدودها من أجل استقبال أي مواطن من دولة ديمقراطية لأن ذلك يشكل خدمة للبلد المضيف.