أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أخيراً خططاً تهدف إلى جولة جديدة من التحفيز الاقتصادي، ولكن من غير المؤكد أن تشكل هذه المبادرة الجديدة الكثير من الفوارق، وترجع المشكلة إلى أن أهداف سياسة ما يدعى "آبينوميكس" في إشارة إلى رئيس الوزراء الياباني سيئة التصور، إضافة إلى أنها، من حيث الوقائع الديمغرافية، لن تحقق النجاح مطلقاً.والأهداف المعلنة من هذه السياسة– التي تشتمل على خليط طموح من التحفيز المالي والتيسير النقدي والإصلاحات الهيكلية– تتمحور حول إنهاء الانكماش المزمن وهبوط الأسعار والسعي إلى إحياء النمو الضعيف وإنعاشه في اليابان. ومن خلال الحكم على هذه السياسة يتضح لنا فشل البرنامج المستهدف، وقد راوح النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بين (صفر) في المئة و0.5 في المئة منذ سنة 2009. حتى الوقت الراهن من هذه السنة عاد ذلك النمو إلى الصفر في المئة، وشهدت البلاد فترة قصيرة جداً من الارتفاع في معدلات التضخم على خلفية الهبوط في قيمة الين الياباني في عام 2014، لكن مع تعافي العملة من جديد عادت الأسعار إلى الانخفاض.
ويرجع ذلك إلى أن "مشاكل اليابان" الاقتصادية متأصلة ومتجذرة بصورة شبه تامة في وضع البلاد الديمغرافي، إذ تقلص حجم القوة االعاملة بنسبة 0.17 في المئة سنوياً منذ عام 2000، وفي السنة الماضية تراجع عدد السكان لأول مرة خلال نحو قرن من الزمن، مع تجاوز عدد الوفيات أرقام المواليد بصورة كبيرة، كما أن أكثر من ربع عدد السكان هم فوق الخامسة والستين من العمر.ومن المحتمل تماماً أن يكون النمو الذي يقارب الصفر هو الوضع الطبيعي بالنسبة إلى اقتصاد ناضج في مثل هذه الظروف، وبكلمات أخرى ليس ثمة خطب في اليابان: وتعني الزيادة في نمو الإنتاجية، كما انعكس من خلال الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي للفرد، أن مستوى المعيشة بالنسبة إلى معظم اليابانيين يستمر في التحسن حتى مع التوقف شبه التام في نمو الاقتصاد، نتيجة تراجع عدد الأشخاص الذين ينتجون البضائع والسلع والخدمات في كل سنة.
الانكماش المعتدل
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا عن انكماش معتدل في الأسعار؟ أليس هذا ما يبرر الشعور بالقلق؟ ليس حقاً. وفي حقيقة الأمر فإن التراجع المعتدل في الأسعار قد يكون طبيعياً أيضاً بالنسبة الى اقتصاد يشهد ارتفاعاً في الإنتاجية وانكماشاً في قوة العمل، ومن جهة يميل النقص في عدد السكان إلى تقليص الطلب، ومن الجهة الأخرى يعني النمو المستدام في الإنتاجية زيادة لافتة في الإمداد والمؤن، وتعني هذه العوامل معاً أن الزيادة في الطلب قد أصبحت ضعيفة بصورة مزمنة، ونتيجة لذلك سيهبط المستوى العام للأسعار. وعندما تقبل هذه الحقائق يصبح الخلل في خطط شينزو آبي واضحاً، ومعدلات النمو المهمة بالنسبة الى الاقتصاد الياباني يمكن أن ترتفع فقط في حال حدوث هزة تكنولوجية كبيرة تفضي الى ارتفاع في الإنتاجية، أو إذا أراد صناع السياسة قبول المهاجرين بأعداد كبيرة من أجل التعويض عن النقص في القوة العاملة المحلية. ونظراً لأن خطط رئيس الوزراء الياباني غير قادرة على التأثير في التقنية كما أنها لا تعالج سياسة الهجرة فإنها ستستمر في الفشل، مهما بذلت الحكومة من جهود كبيرة.والنتيجة هي أن اقتصاد اليابان الذي ازدهر عندما كان يهيمن على العالم قبل ثلاثة عقود تقريباً سيستمر في الانكماش بمعدلات نسبية، وستعود اليابان إلى وضعها الصحيح على شكل جزيرة مزدهرة ذات ثروة تراكمية وسكان يتمتعون بوفرة وثراء، ولكن مع قدر قليل من التأثير في اقتصاد العالم.ومع سيطرة الحزب الديمقراطي الليبرالي على ثلثي عدد المقاعد في المجلس التشريعي في اليابان فإن من المحتمل أن يتمكن رئيس الوزراء من فرض سياستة المالية بقوة أكبر، وذلك على الرغم من أن التحفيز المالي سيكون على الأرجح أكثر فعالية من السياسة النقدية في زيادة الطلب، ولكن يتعين أن يكون مثل ذلك الجهد مستداماً: إن نقص الطلب في اليابان أصبح مزمناً وعملية واحدة من التحفيز المالي لن تحدث هزة في الاقتصاد تدفعه إلى توسع دائم. وفي غضون ذلك يجب أن يكون بنك اليابان مستعداً للقيام بعمليات تيسير إضافية من أجل منع حدوث ارتفاع إضافي في قيمة الين.ومع تقليص ميزانية اليابان بشدة نتيجة العجز المتراكم والديون لا توجد فرصة لتتمكن الحكومة من تحمل التحفيز المالي على المستوى الضروري والمطلوب، كما أن من غير المحتمل أن يعزز بنك اليابان من جهوده في شراء السندات، وبالتالي فإن في وسعنا أن نتأكد من أن الجولة الجديدة من خطط رئيس الوزراء قد فشلت قبل وصولها.