لماذ تنتشر الإعلانات التي تطالب بالتبرع بالكلى في الكويت؟ سؤال طرح نفسه بقوة خلال الفترة الماضية بسبب الإعلانات الكثيفة الموجودة على الطرق والأخرى التي تملأ الصحف، واللوحات الإعلانية في الشوارع ويلاحظها المارة في معظم المناطق السكنية بالكويت، والتي "تطلب متبرعاً للكلى من فصائل دم مختلفة"، وهذه الإعلانات تناشد أهل الخير التبرع لإنقاذ حياة شخص يعاني فشلا حادا أو مزمنا، وقد فشل الغسل الكلوي في علاج حالته.

والغريب أن هذا الإعلانات كانت في السابق مجهولة الهوية إلا أن المعلن الآن يضع رقم هاتفه أسفل الإعلان في انتظار من يتصل به للتبرع بكليته.

Ad

في الكويت تكثر حالات الفشل الكلوي المزمن والحاد بسبب مضاعفات مرض السكري المنتشر بشكل وبائي بين الكويتيين والوافدين، وتصل نسبة الإصابة به إلى نحو 25 في المئة، أي أن ربع السكان البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين نسمة مصابون بالسكري، وبالتالي هم معرضون للفشل الكلوي.

وحسب إحصاءات رسمية من وزارة الصحة، فإن عدد مرضى الفشل الكلوي في الكويت سنويا يصل إلى 150 حالة لكل مليون نسمة، ويخضع هؤلاء المرضى الذين لم يحصلوا على متبرع لعمليات غسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع. ويعاني الشخص المصاب بفشل كلوي مشكلات جسدية ونفسية تنجم عن عدم قدرته على القيام بوظائفه الاجتماعية بكل صورها، فضلا عن احتمالات تعرضه في حال تطور المرض إلى مراحل خطيرة، تؤدي إلى الوفاة.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الوزارة إلى قلة عدد المتبرعين سواء كانوا من الأحياء أو من المتوفين دماغيا، مما أثر على عمليات زراعة الكلى في مركز حامد العيسى لزراعة الأعضاء، وربما أدى ذلك إلى سفر كثير من المرضى إلى خارج الكويت لإجراء عملية زراعة كلى، وقد ينجم عن ذلك معاناتهم وإصابتهم بمشاكل كثيرة بسبب إجراء تلك العمليات في أماكن غير معتمدة أو غير معترف بها، وما يترتب على ذلك من مشاكل صحية خطيرة قد تودي بحياتهم.

وفي هذا الإطار ربما يكون التبرع بالأعضاء عقب الوفاة واحدا من أسباب إنقاذ أرواح المحتاجين من المرضى الذين يعانون الفشل الكلوي المزمن والحاد.

مراحل التبرع بالكلى

وأكدت مصادر صحية مطلعة، رفضت الكشف عن هويتها، أن عملية التبرع بالكلى في الكويت تمر بمراحل معقدة، بهدف منع التلاعب والتحايل، ومن بين هذه الخطوات، أن يكون راتب الشخص المتبرع 300 دينار، ومر على وجوده في البلاد 3 سنوات على الأقل، لمنع جلب أي شخص من الخارج للتبرع، موضحة أن عملية التبرع بالكلى في الكويت تكون عبر شخص قريب، أو غير قريب للمتبرع.

وأشارت المصادر إلى أنه في حال كان قريباً، فالفحص يكون للتأكد من أن هذا المتبرع ليست لديه مشاكل في الضغط أو السكر أو الكلى، أما إذا كان غير قريب، فهناك لجنة قانونية لمنع التلاعب شكلت في وزارة الصحة، وتضم باحثا قانونيا وطبيبا نفسيا ومشرفا اجتماعيا، إلى جانب أطباء من عدة مستشفيات، وهذه اللجنة لها شروط معينة وشديدة، منها أن يكون راتب الشخص المتبرع 300 دينار، ومرَّ على وجوده في البلاد 3 سنوات على الأقل، لمنع جلب أي شخص من الخارج للتبرع، مما يفتح المجال للتلاعب والتحايل، كما أن المتبرع يجب ألا يتبرع لكفيله.

وذكرت أن اللجنة إذا شكَّت في وجود أي نوع من الضغط على المتبرع، فإنها تقوم بالرفض مباشرة، كما أنها ترفض التبرع، إذا لم توجد أسباب كافية له.

وشددت على أن عملية التبرع بالكلى تمر بمراحل معقدة، بهدف منع عمليات التحايل أو شراء الكلى في الكويت، لافتة إلى أن عملية التبرع تمر بثلاث مراحل، هي: فحص المتبرع بدقة شديدة، ثم يمر المتبرع إذا كانت نتائج تحاليله جيدة إلى الباحث الاجتماعي، الذي يطلب منه بعض الأوراق، للتأكد من أنه لا يتبرع من أجل الاتجار أو الربح، أما المرحلة الثالثة، فهي لجنة التبرع بالكلى.

وأشارت إلى أن اللجنة ترفض أكثر من 70 في المئة من المتقدمين للتبرع، موضحة أن مركز حامد العيسى يتمتع بسمعة ممتازة في منطقة الخليج وجميع دول الوطن العربي، كما أن الأطباء العاملين فيه يشاركون في أبحاث علمية متعددة، وحصل كثير منهم على جوائز دولية.

وبينت المصادر أن المركز يواكب التطور الحاصل في العالم، وتتوافر فيه جميع الإمكانات المتطورة لإجراء عمليات زراعة الكلى، حيث يحتوي على قسمين أساسيين، هما قسم زراعة وأمراض الكلى، وقسم جراحة وزراعة الأعضاء، لكن الذي تتم زراعته حاليا هي الكلى عبر القسم الأول.

181 عملية

من جانبه، كشف رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مركز حامد العيسى لزراعة الاعضاء ورئيس رابطة أمراض الكلى الكويتية، د. تركي العتيبي، عن قيام المركز بإجراء 181 زراعة كلى لاطفال مصابين بالفشل الكلوي من بين 2500 عملية زراعة كلى قام المركز بإجرائها بنجاح منذ انطلاق عمليات الزراعة.

وذكر العتيبي أن زراعة الكلى من الأمور التي أحدثت تقدما كبيرا في الطب الحديث، وهي أفضل بكثير من غسل الكلى، مبينا أن الذين يقومون بالزراعة فرصتهم في الحياة أفضل حيث توفر عليهم مشقة ومعاناة الغسل.

وأكد أن احتلال الكويت المرتبة الاولى في أمراض السمنة وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية بنسبة 42.6 في المئة يعد مؤشرا خطيرا يستلزم دق ناقوس الخطر، ويستدعي استنفار جميع المؤسسات والجهات الحكومية لمواجهة تحديات الأمراض التي تتسبب فيها السمنة وفي مقدمتها السكري وامراض القلب وارتفاع الكولسترول وضغط الدم والامراض السرطانية، لأنها من أخطر عومل الاصابة بأمراض الكلى.

وشدد على أهمية الفحص الدوري والمنتظم وتثقيف الممارسين الصحيين بدورهم لاكتشاف أمراض الكلى، وكذلك التأكيد على دور الجهات الصحية المحلية والوطنية في مكافحة أمراض الكلى والتشجيع على التبرع بالأعضاء للمحافظة على حياة مرضى الفشل الكلوي.

وأضاف أن هناك نوعين من المتبرعين، أحياء وآخرين متوفين دماغيا، مشيرا إلى أن المتبرعين الأحياء أفضل من جميع الجوانب.

ودعا المسؤولين الى التصدي للزيادة الكبيرة في اعداد مرضى الفشل الكلوي، موضحا ان المرض له مضاعفات صحية خطيرة ويترك آثارا اجتماعية على الاسر اضافة الى التكلفة الباهظة على الدولة.

العلاج الأفضل

وبحسب الرابطة الكويتية لأمراض الكلى، فإن زراعة الكلية تعتبر العلاج الأفضل للفشل الكلوي المزمن، حيث تقوم الكلية المزروعة بأداء وظائف الكليتين الأصليتين، في حين يقوم الغسل الكلوي بأداء دور محدود بتخليص الجسم من مخلفات التمثيل الغذائي والسوائل الزائدة عن حاجته. وتجرى العملية بواسطة فريق جراحى متخصص، ويتم الحصول على الكلية من متبرع حي أو من متوفى، وهي تزرع عادة في الجهة اليمنى من أسفل تجويف البطن، حيث يتم توصيلها بشريان ووريد الحوض الايمن كما يتم توصيل الحالب بالمثانة البولية في عملية تستغرق عادة نحو ثلاث ساعات.

ويكون من المتوقع أن يبدأ إدرار البول فور توصيل الكلية المأخوذة من متبرع حي، في حين قد تحتاج الكلية المأخوذة من متوفى بعض الوقت لتبدأ العمل بكفاءة تامة. ويخضع المريض لإشراف طبي وجراحي مكثف بعد العملية لضبط نسبة السوائل والأملاح وأدوية المناعة في الدم ويبقى في المستشفى من أسبوع الى أسبوعين، وبعد خروجه يظل تحت إشراف أطباء زراعة الكلى المستمرة.

وحول طرق الحصول على كلية جديدة، تشير الرابطة الكويتية لأمراض الكلى إلى أنه يمكن للمريض المصاب بفشل كلوي مزمن الحصول على كلية جديدة لزراعتها من أحد المصادر، مثل المتبرعين الأقارب الأحياء، ولكي يعتبر أحد الأقارب متبرعا مناسبا يجب عليه أن يستوفي الشروط التالية: أن يكون بالغاً السن القانونية وهي (21 سنة) حسب القانون الكويتي، وأن يكون متمتعاً بكامل قواه العقلية، ومسؤولا عن أفعاله وملماً بصورة جيدة بما يصاحب عملية التبرع بالكلى من إجراءات ونتائج وحتى المضاعفات، وأن تثبت الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة أنه لائق طبياً، ومن المهم أيضا أن يكون غير مصاب بأي أمراض مزمنة، كداء السكري وارتفاع ضغط الدم والالتهاب الكبدي الوبائي، كما أنه يجب أن يكون مناسباً من الناحية المناعية طبقا لنتائج فصيلة الدم وتحاليل الأنسجة.

أما المتبرعون الأحياء من غير الأقارب فيتقدم عدد كبير من الأشخاص إلى مركز زراعة الأعضاء برغبتهم في التبرع بإحدى كليتيهم لمرضى الفشل الكلوي المزمن، ولكي تتم الموافقة على ذلك، يجب التأكد من توفر التالي: استيفاء جميع الشروط المذكورة بالنسبة للمتبرعين الأقارب، وعدم وجود أية شبهه اتجار أو أخذ مقابل مادي، وألا يكون التبرع تحت تأثير التهديد أو الابتزاز، وأن تتم الموافقة على التبرع من اللجنة الخاصة لمقابلة هؤلاء المتبرعين، والتي شكلت بقرار وزاري.

ثم هناك الحصول على كلية من المتوفين، ويتم تسجيل مرضى الفشل الكلوي المزمن في كشوف خاصة حسب فصيلة الدم، وعند توفر كلية من متبرع متوفى يتم استدعاء عدد من هؤلاء المرضى حسب الأولوية إلى قسم زراعة الأعضاء حيث يتم إجراء الكشف الطبي عليهم وكذلك إجراء بعض التحاليل والفحوصات وكذلك التحاليل المناعية.

ويتم اختيار المرضى حسب نظام نقاط تعطى للمرضى المسجلين في كشوف الانتظار، ويأخذ في الاعتبار سن المريض وفترة العلاج بالغسل الكلوي واللياقة الطبية وكذلك التناسب النسيجي.

حياة أفضل

وتقول الرابطة إن زراعة الكلية تعتبر العلاج الأمثل للمرضى المصابين بالفشل الكلوي المزمن، وذلك لأن زراعة الكلى تمنح المريض فترة حياة أطول ونوعية حياة أفضل، كما أنها وسيلة علاج أقل تكلفة، وبالنسبة للأطفال فإنها الوسيلة الوحيدة التي تمنحهم فرصة النمو الجسدي والعقلي الطبيعي، وتمنحهم فرصة افضل للحضور المدرسي والتحصيل العلمي وتجنبهم المعاناة (النفسية والصحية) المتكررة المصاحبة للغسل الكلوي.

وأوضحت أن هناك إجراءات يجب استكمالها قبل زراعة الكلية، ومنها الحصول على تقرير طبي مفصل من الطبيب المعالج في وحدة أمراض الكلى التابع لها المريض، ويشمل التاريخ المرضي للمريض المحول لإجراء عملية زراعة الكلية ونتائج الفحص الطبي السريري ونتائج الفحوصات المخبرية وخاصة التحاليل الفيروسية الكبدية ونتائج الفحوصات بالمنظار للمريء والمعدة والاثنى عشر وفحص المثانة ومجرى البول بالأشعة الملونة، وأحياناً إن استدعت الحاجة إجراء فحوصات خاصة بوظيفة المثانة البولية وفحص المثانة بالمنظار مع عدم وجود بؤرة التهاب مزمنة كتسوس الأسنان والدرن (والذي يحتاج إلى أشعة صدر وفحص الدرن الجلدي)، إضافة إلى أهمية وجود نتائج الفحوصات التي تفيد لياقة القلب لإجراء عملية زراعة الكلية (التخطيط والسونار والأشعة النووية)، مع خلو المريض من أي أورام غير حميدة وفحص الثدي بالأشعة للنساء اللاتي تجاوزن الأربعين.

وعقب ذلك تتم مراجعة التقرير الطبي للمريض بواسطة استشاري جراحة زراعة الأعضاء واستشاري أمراض الكلى في مركز زراعة الأعضاء وتوقيع الكشف الطبي عليه واستكمال ما قد يكون ناقصا من الفحوصات والتحاليل، مع إجراء التحاليل المناعية بين المريض والمتبرع المصاحب له.

حماية الكلية المزروعة

وعن حماية الكلية المزروعة، تؤكد الرابطة الكويتية لأمراض الكلي أنه يجب على مريض زراعة الكلى أن يحمي كليته من حالات الرفض ابتداء من اختيار أنسب متبرع تتوافق أنسجته معه، إلى الانتظام التام في تعاطي أدوية زراعة الكلى وغيرها، خاصة أدوية تخفيض المناعة وأدوية السكري والضغط، والمتابعة الطبية بالعيادة الخارجية حسب المواعيد المقررة، وعمل الفحوصات الدورية للكشف على وظيفة الكلية حسب نصائح الطبيب المعالج، واتباع التعليمات والنصائح منه، وعدم قياس حالته على حالة غيره من المرضى لاختلاف طبيعة المرض وحالته من مريض لآخر، وعدم تعاطي أي دواء أو إجراء عمليات جراحية كبيرة أو صغيرة إلا باستشارته.

طالبو التبرع: نريد إنهاء معاناتنا... ومستعدون للشراء

أكد (ع.ج)، الذي رفض الكشف عن هويته لـ"الجريدة" أنه عرض إعلانا في الصحف يطلب متبرعا بالكلى لوالدته المريضة بالسكري، والتي ترقد الآن في المنزل في وضع صحي متدهور.

وقال إنه سيدفع مبلغ 10 آلاف دينار نظير التبرع بالكلى من أي متبرع، سواء كان كويتيا أم وافدا، شريطة أن تكون فصيلة دمه (ب+)، وأن يكون وضعه الصحي جيداً.

وأشار إلى أن والدته مصابة بمرض السكري منذ أكثر من 3 عقود، وكان الفشل الكلوي الحاد آخر مضاعفات السكري عقب إصابتها بفشل الشبكية، ومن ثم عدم الرؤية وفقدان البصر بشكل كبير، إضافة إلى إصابتها بمشاكل كبيرة في القلب والشرايين.

وحول سؤاله عن الأسباب التي دفعته لأن يعلن في الصحف عن طلب التبرع بكلية لوالدته، أكد (ع.ج): "والدتي مصابة بالفشل الكلوي الحاد، منذ 15 عاما، وتعاني غسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، لذلك رغبة مني في إنهاء معاناتها وألمها المتواصل قمت بعرض إعلان في الصحف وطلبت فيه كلية من متبرع".

وأضاف أن "مرض والدتي ومعاناتها أصاب الأسرة بوضع نفسي صعب جداً، فالجميع يتألم حين يراها معذبة يوميا".

وقال (ع.ج): "سألت عدداً من المختصين عن جدوى إجراء العملية خارج الكويت فنصحوني بعدم السفر إلى الخارج، خصوصا بعض الدول الآسيوية، حيث إن المراكز في تلك الدول غير مؤهلة، وهدفها الأساسي الربح المادي، ما يجعل نسبة المضاعفات الناتجة عن تلك العملية خطيرة وقد تودي بحياة المريض".

وناشد أهل الخير بأن يتبرع أحد بكليته ممن يحمل فصيلة دم (ب+) لإنقاذ والدته التي تصارع الموت.