بعد انتشار صور لطائرات روسية في قاعدة «نوجه» العسكرية في مدينة همدان الإيرانية، أعلن الروس استخدام مطار همدان العسكري لمهاجمة أهداف في سورية، في حين أن الإيرانيين اتخذوا موقفاً مشوشاً وأكثر تكتماً من موسكو في هذا الموضوع.

الموقف الإيراني يعود إلى المادة 146 من الدستور الإيراني التي تمنع إعطاء قوى أجنبية أيَّ قاعدة إيرانية، لأي سبب كان، ولو كان السبب سلمياً. وحسب القانون الإيراني فإنه لا يسمح لأي أحد، حتى لمجلس الأمن القومي، تخطي الدستور، والطريقة الوحيدة لذلك هي إجراء استفتاء شعبي لتغيير المادة.

Ad

إضافة إلى ذلك، فقد كان نظام الملالي الحاكم في إيران ينتقد دوماً دول الخليج العربية لمنحها قوى أجنبية قواعد عسكرية، فكيف تقوم هي بمنح روسيا قاعدة أو قواعد عسكرية على أراضيها، بالتناقض مع الشعار الذي ترفعه طهران «لا شرقية ولا غربية»؟.

وقال العقيد الروسي كنستانتين سويكوف: «إن قاعدة همدان تعادل قاعدة إنجرليك التركية، ولكنها بالنسبة للروس أهم منها، إذ إنها تعطينا أفضلية المناورة في كل منطقة الشرق الأوسط، وليس سورية فقط».

وأفادت مصادر عسكرية إيرانية بأن الروس نقلوا كميات هائلة من العتاد العسكري المتطور إلى القاعدة، إضافة إلى تركيب منظومة دفاعية جوية، «إس 300 متطورة»، وهناك معلومات تتردد عن تركيب منظومة «إس 400» تحت إشراف روسي تام في القاعدة الإيرانية.

وأضافت المصادر أن الكم الهائل من المعدات الذي تم نقله في فترة وجيزة كان سبباً للفت الأنظار إلى التحركات في القاعدة، وهذا يعني أن للتحرك الإيراني-الروسي أبعاداً تتخطى العمل في سورية.

وأشارت إلى أن أحد أسباب إحالة قائد الأركان الإيرانية اللواء فيروز آبادي إلى التقاعد كان تملصه من تنفيذ بنود الاتفاقات العسكرية الإيرانية-الروسية التي لا تتوافق مع الدستور الإيراني.

وبحسب المصادر، فالعديد من طائرات الجيش العراقي السابق (التي كان صدام حسين قد قام بتهريبها إلى إيران إبان الهجوم الأميركي على العراق)، من طراز «ميغ 25» و«ميغ 29»، إضافة إلى طائرات «إف 4» و«إف 14» الأميركية مستقرة في هذه القاعدة، وتمت صيانة وإعادة تجهيز الطائرات الروسية من قبل خبراء روس، وتشارك الطائرات العراقية في العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، انطلاقاً منها في بعض الأحيان.

وأضافت المصادر العسكرية التابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني أن قوات «الحشد الشعبي» في العراق اشترطت دعماً جوياً غير أميركي لمشاركتها في عمليات الموصل، ووجود الطائرات الروسية في هذه القاعدة سيساعد كثيراً في إمكانية التغطية الجوية لعناصر الحشد في عملية الموصل التي يتوقع انطلاقها قريباً، حيث إن سورية لا تحتاج إلى الكم الهائل من العتاد الجوي الروسي الذي تم نقله إلى همدان، إذ بالإمكان نقل العتاد مباشرة إلى قواعد سورية أقرب إلى مناطق المعركة داخل الأراضي السورية. وبوجود عدد كبير من الطائرات الحربية السورية والروسية فليس من الضروري استخدام طائرات استراتيجية ضخمة لرمي القذائف والصواريخ.

ولفت مصدر آخر إلى أن الإيرانيين كانوا يفضلون التكتم التام على التعاون العسكري بهمدان، لكن الروس سربوا المعلومات دون التنسيق مع طهران. واضطر الإيرانيون أن يقروا بالأمر الواقع بلغة شابها «التشويش».

يذكر أن قاعدة «نوجه» العسكرية التي تنطلق منها الطائرات الروسية لها رمزية أخرى أيضاً، ففي يوليو عام 1980 قام عدد من كبار ضباط الجيش الإيراني بالتخطيط لانقلاب عسكري على الإمام الخميني، انطلاقاً منها، وبفضل جواسيس روس منتمين إلى الحزب الشيوعي الإيراني آنذاك (حزب تودة) تم الكشف عن المؤامرة واعتقال وإعدام عدد كبير من كبار الضباط، وهرب العديد منهم إلى العراق وتركيا، وقاموا باللجوء إلى أوروبا والولايات المتحدة.

واتُّهم آية الله شريعتمداري، حليف الخميني في الثورة وأكبر علماء الدين الإيرانيين شعبيةً بعد الخميني آنذاك، بأنه كان وراء محاولة الانقلاب، مما أدى إلى اعتقاله ووضعه في إقامة جبرية. وكان شريعتمداري قبل الثورة منقذ الخميني من الإعدام، حيث إنه قام بتجميع تواقيع كبار علماء الدين باعتبار الخميني مرجعاً دينياً ولا يمكن إعدامه حسب القانون الإيراني، وحمل الرسالة شخصياً إلى الشاه الذي أوعز للقضاء بإصدار حكم إبعاد بحق الخميني بدلاً من إعدامه.

يذكر أن قاعدة «نوجه» تم استحداثها في عهد الشاه لتكون مركزاً وقاعدة متطورة لانطلاق طائرات حلف شمال الأطلسي «الناتو» باتجاه الاتحاد السوفياتي السابق في حال وقوع حرب، لكنها اليوم باتت في أيدي الروس الذين لم يتمالكوا نشوتهم وسربوا فرحتهم ببسط نفوذهم على تلك المنصة الرمزية للكتلة الغربية إبان الحرب الباردة دون النظر إلى حرج حليفهم الإيراني.