وضع الفنان رسام الكاريكاتير السوداني خالد البيه صورة الطفل إيلان ذي القميص الأحمر الذي قذفته الأمواج على الشواطئ التركية قبل مدة وهو يعبر البحر هارباً مع أسرته جنباً إلى جنب مع صورة الطفل عمران الذي أخرجته فرق الإنقاذ من تحت أنقاض بيته في مدينة حلب. يعلق البيه على رسمتي الطفلين قائلاً هذا مصير أطفال سورية إن هربوا وهذا مصيرهم إن بقوا، وترك الرسمة معلقة، ترك الخطوط مفتوحة والقلوب مقروحة والخيالات مسفوحة مسفوكة الصور.في مخيلتك يبقى إيلان للأبد نائماً على الشاطئ، تحت خده تمر الموجة، حذاءاه المتعلقان بقدميه الصغيرتين مصطفان بانتظام، متجاوران بترتيب، فكلما خطرت لك الصورة دفعك دافع أن تأتي بغطاء من دولابك فتلقيه على الجسد المسجى الصغير، تهزه عله يستيقظ، تمسح قطرات الماء المالحة عن جبينه، ترفع وجهه عن التراب، كل الأشياء التي نفعلها جميعاً بتلقائية مع الصغار، نعرفهم أو لا نعرفهم، هي غريزة عزيزة، محفورة في الأعماق، تهرس قلوبنا عند رؤية صغار جنسنا بالمحبة والرأفة والرغبة في الحماية.
وفي ذاكرتك يبقى عمران للأبد جالساً على كرسي سيارة الإسعاف البرتقالي، فوق خدوده يتراكم التراب، على عينه اليسرى يتجلط الدم، وقد صبغ البياض شعره والسواد ساقيه الصغيرتين. كلما خطرت لك الصورة دفعك دافع لأن تحتضن الصغير، تحمله بين يديك مدفئاً ذهوله، تمسح عينيه، تنفض شعيرات رأسه، تأخذه إلى قلبك، إلى داخل أعماق جسدك، تلحم عليه ضلوع قفصك الصدري، كل الأشياء التي نفعلها جميعاً بتلقائية مع الصغار، نعرفهم أو لا نعرفهم، هي طبيعة منيعة، مجذورة في النفوس، تعجن أرواحنا عند رؤية صغار جنسنا بالعطف والشفقة والرغبة في الوقاية.فما بالنا؟ ما حدث لغريزتنا وطبيعتنا؟ متى وكيف انقلبنا على صغار جنسنا؟ نتناقل الأخبار صوراً وتسجيلات، نعيد ونستعيد المشاهد، مشاهد عادة ما ينقلها الصغار، ينقلها نحيبهم، رعبهم وذهولهم الصامتان، أجسادهم المنتشلة من تحت الركام أو على حواف الشواطئ. نستنكر للحظة ونغرق في تبادل الاتهامات بقية الوقت الذي لم يعد متبقياً لنا أصلاً. نظام فاحش ومعارضة عنيفة وروسيا وإيران وأميركا وفرنسا وخطط غربية وتحالفات سرية وشيعة وسنّة، ويبقى إيلان للأبد نائماً على خد الموجة، وعمران للأبد جالساً وحيداً شريداً ذاهلاً على صفحة كرسيه البرتقالي، تلك سنّة الحياة، نحن نطبخها، ويدفع ثمنها إيلان وعمران.
مقالات
غريزة عزيزة
22-08-2016