«دماء وردة الشفق»... خيط ضوء في ظلمة المجهول
«دماء وردة الشفق» رواية جديدة للأديب والشاعر العراقي علاء المحياوي صدرت عن «الدر العربية للعلوم- ناشرون» في بيروت، تدور ضمن سيرة ذاتية لمواطن تتداخل مفاهيمه الداخلية والخارجية.
إذا كان مفهوم «الرواية المفتوحة النهاية» شاع في الفن الروائي، فإن «دماء وردة الشفق» تقدم نصاً فريداً في تاريخ السرد الروائي، وهو ما يمكن وصفه بـ «الرواية المفتوحة البداية»، إذ يسعى علاء المحياوي فيها إلى تحويل العام إلى الخاص، والحدث الآفل إلى الآني ثم إلى اللانهائي، فيصير النص عنده دائرة مستمرة الجريان، أو دورة من دورات الحياة اللانهائية.
إثبات الهوية
تماماً مثل حياة كثيرين من أبناء الشعب العراقي الذين لا يزالون يدورون في حرب مستمرة لم تنطفئ نيرانها حتى اليوم، يستعيد الروائي وفي سياق اجتماعي معين الأحداث السياسية في العراق في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، من خلال الشخصية الرئيسة في الرواية «يوسف سعد» وعائلته والشخصيات الأخرى المكملة، لسرد مشاهد من الصراع بين الحاكم والمحكوم، والدوران الدائم بين إثبات الهوية أو الانسلاخ منها والبحث عن وطن بديل.
لن أعود
«لا لن أعود أبداً» قرّر بطل الرواية «يوسف سعد» بعدما فقدت الأمور من حوله معناها، تاركاً أسرته، حاملاً ذاكرةً مثقلة بالهموم، لا تملك إلاَّ مواجهة مصير مجهول، ذلك في إثر إبعاده عن الدراسة وفصله من جامعة بغداد، والتهمة الموجهة إليه هي الإساءة للعلم والتعليم، والتطاول على صرح علمي شامخ ممثلاً بأستاذ جليل، ونقد المناهج الدراسية التي تتبنى مبادئ الحزب والثورة... هذه واحدة من القضايا التي تطرحها الرواية، لذلك حكاية يوسف ستتبعها عشرات الحكايات لعشرات الشخصيات، التي سيلتقيها البطل في رحلته، وكان لكلٍّ منها حكايتها، أزماتها وهواجسها، وقد خرج بها الروائي من الواقع المعيش إلى الحلم.يبدو أن للحلم وظائف متعددة في الرواية، فقد يُرهص بما سيأتي من أحداث أو يشكل متنفّساً عن قلق مقيم لدى كل شخصية ومهرباً من واقع قاسٍ، أو يكون موضع إسقاط لأمنيات ورغبات تتوق الشخصيات إلى تحقيقها. الرسالة التي يبعث بها الروائي المحياوي في «دماء وردة الشفق» إلى أبناء وطنه، أن اتحدوا أيها العراقيون وخذوا العبرة من الماضي، وليقف كل واحد منكم وقفة هادئة مع نفسه، ويُعيد ترتيب أوراق عمره التي لطالما بعثرتْها رياحُ التمزّق والتخبّط.نوافذ العمر
- من أجواء الرواية نقرأ:«... أكتب لكم هذه الكلمات الآن وأنا أتلفتُ حولي فأجد أنّ كلّ شيء يئنّ. كل شيء يقود إلى لا شيء. أصيخ السمع فيصمّ أذنيّ الصدى، وأمدّ البصر فلا أرى بصيص ضوء أمامي. روحي انكسرت وتدفقت منها الخيبة والانكسار.حين تقرأون رسالتي سأكون في أرض أخرى. سأترك العالم يقذفني فوق خرائطه ما شاء له، وسأفتح نوافذ العمر للرياح الغريبة. ومن يدري، لعلّ سماء الغربة تغمرني بأمطارٍ طالما حَبستها عنّي سماء الوطن. فأنا مذ فتحتُ عينّي على هذه الدنيا لم يفارقني لحظة الشعور بأنّ ثمة حقّاً سلبته الحياة منّا وسآخذه منها عنوة. إنّه حقكم في عيش رغيد ونعمة موفورة حُرمتم منها سنين طويلة في بلد غنيٍّ بموارده وبتروله. وكما قلت لكم، فأنا لا أعلم أين سألقي عصا التّرحال. ولكنّها محاولة لتلمّس خيطٍ من الضوء في ظلمة المجهول...
الرواية تسرد مشاهد من الصراع بين الحاكم والمحكوم والدوران بين إثبات الهوية أو الانسلاخ