لماذا هذه الازدواجية؟!
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
أيضاً في وقت لاحق نقلت الصحف خبراً عن اللواء الجراح، مدير الجنسية والجوازات، يهدد ويحذر الذين تقاعسوا عن تجديد جوازات السفر بأن إدارته، وكأنه قد ورثها عن أسلافه، ستعمل "بلوك وستسحب المدنية منهم"، وليس هذا بأمر جديد عليه، فهو عادة يصرح وكأن الدولة مزرعة خاصة به، ومن يعمل بها هم خدم يعملون لحسابه. انتقدت بـ "تويتر" مثل ذلك التصريح اللامسؤول، والذي أيضاً يتولى فيه ضابط شرطة تقمص شخصية المشرع والقاضي والمنفذ، هنا الحكم لا يختلف في حالة الجراح عن زميله الذي قام بـ "تقريع" رؤوس الشباب دون نص تشريعي يسمح لأي منهما أو لغيرهما بمثل ذلك، لكن ردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي هنا في حالة الجراح كانت مختلفة، فهي تدين تصريح الجراح، وتستغرب من عشوائيته، اللامقبول هو أن الأصوات التي دانت تصريح الجراح هي ذاتها التي باركت فعل ضابط "تقريع" رؤوس المثليين، فهي تستهزئ من تصريح الجراح من ناحية، وتقول "برافو... زين يسوي فيهم" للضابط الآخر الذي "قرع" رؤوس المثليين من ناحية أخرى! هي قضية واحدة في موضوعها عن الاستبداد لدى السلطة التنفيذية (الداخلية)، وانتهاك حقوق الإنسان والتصرف دون غطاء تشريعي في الحالتين، لكن الحكم الشعبي في ردود الفعل عن الموضوع اتسم بازدواجية الفهم القانوني، هي ازدواجية نابعة من تغليب الثقافة الشعبية باحتقار المختلف والغير، وتغليب عشوائية الموروث الثقافي على النص التشريعي، مهما اختلفنا أو اتفقنا على مضامين هذا النص أو ذاك.كذلك كان الصمت واللامبالاة لممارسة حلاق رؤوس المثليين عند الكثيرين من "التقدميين" ليبراليين أو غيرهم، وحياؤهم أو مجاملتهم للشعبوية المحافظة التي باركت "التقريع"، وعدم اكتراثهم يخبرنا بحقيقة العوار الكبير لدينا في هضم مبادئ حقوق الإنسان وحكم الشرعية، كي ننتهي آخر الأمر بأن قضيتنا ليست في مجرد سلطة تستبد فقط، وإنما في أغلبية مجتمع مازال أهله بعيدين عن فكرة الحريات، لنقل أخيراً إن المجتمعات التي تقوم على التحقير والاستهانة بأفرادها محكوم عليها بالإفلاس في النهاية.