لماذا اخترت أن يكون بطل روايتك «الكومبارس» شاباً؟

حاولت في «الكومبارس» أن أمرّ على جميع المراحل العمرية لبطل الرواية المدعو عبد المؤمن السعيد، فأحداثها تبدأ في عام 1966 عندما كان طفلاً، وتنتهي في مارس 2011. وبطبيعة الحال، فإن للفترة التي بلغ فيها البطل مبلغ الشباب تركيزاً خاصاً، ذلك أن الشباب دوماً ممتلئ بالحيوية والحماسة والطموح لأجل بناء مستقبل واعد له. لكن بكل أسف تعرض عبد المؤمن السعيد لخيبات متتالية، فلم يحظ بالشهرة والمجد والحضور التي كان يحلم بها، رغم أنه ممثل موهوب باعتراف زملائه وأساتذته. وهكذا حشره المخرجون والمنتجون في أدوار هامشية صغيرة لا تتواءم مع موهبته وأحلامه. كذلك أخفق صاحبنا في الارتباط عاطفياً بمن أحبها، إذ هجرته وتزوجت من ممثل نصف موهوب لكنه سرعان ما حقق نجومية كبيرة، لأن أباه أسس له شركة إنتاج سينمائي وتلفزيوني كانت تنفق على أفلامه.

Ad

باختصار، فترة الشباب لدى بطل الرواية تتوازى مع فترة ما قبل ثورة يناير التي شهدت ظلماً بيّناً تعرضت له الغالبية العظمى من الشعب المصري، كذلك حفلت هذه الفترة البائسة بصعود الفاشلين والأوغاد إلى مناصب مرموقة ومكانة معتبرة في المجتمع رغم أنهم محرومون من المواهب.

اعتمدت روايتك على عنصر «القدرية» وفكرة «الحظ». كيف ترى ذلك؟

لا ريب في أن للـ«القدرية» دوراً مهماً في الحياة، فكل منا جاء إلى هذه الدنيا بقدر. ثمة حيوان منوي واحد ومحدد من بين ملايين استطاع تخصيب البويضة، ولو كان فشل ونجح غيره لتغيرت صفاتنا وجيناتنا. هنا أقول إن للحظ نصيباً مهماً في مجمل تاريخنا المعيشي حتى قبل أن نولد. ولكن ليس معنى ذلك أن نسترخي ونتكاسل عن العمل، ثم نلعن الحظ الذي يحرمنا الوصول إلى ما نصبو إليه. على المرء دوماً أن يكافح ويجتهد ليحقق آماله وطموحاته، فإذا لم يحصل على كل ما يريد، فتكفيه لذة المحاولة... وليعلم آنذاك أن للحظ قوانينه أيضاً، فلا يحزن ولا يبتئس، فعديمو الموهبة يسيطرون على المشهد الثقافي بضربة حظ.

تناولت روايتك لحظة مهمة من تاريخ مصر الحديث وهي الثورة. كيف تأثرت كتاباتك بالثورة ولم يمض عليها الكثير؟

ستظلّ ثورة يناير ملهمة لكثير من الروائيين لفترات طويلة مقبلة، وكلما بعدت المسافة بيننا وبين زمن هذه الثورة المجيدة، سيكتشف المبدعون أسراراً «فنية» أكثر عمقاً، وسيتناولونها في أعمالهم. وبلا شك، تأثرت كتاباتي بالثورة التي أتشرف بأنني شاركت فيها، وتجلى هذا التأثر في رواياتي «تاج الهدهد» و«نساء القاهرة- دبي» و«الكومبارس». كذلك فتحت هذه الثورة لي آفاقاً أرحب لفهم الشخصية المصرية بكل جمالها ونبلها وتناقضاتها المخيفة، لذا عدت إلى قراءة تاريخنا القديم والحديث بشكل مغاير يتكئ على خبرة يناير، وتوصلت إلى نتائج أظنها صحيحة بشأن طبيعة الإنسان المصري. ولعل «الأزبكية» التي صدرت العام الماضي تقترب من هذا الأمر بصورة لا بأس بها، كما لاحظ بحق الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور في مقالات نشرها عن الرواية في جريدة «الأهرام».

النفس البشرية والجريمة

الغوص في النفس البشرية واكتشافها. هل هذا أسلوبك الخاص في الكتابة؟

من حسن حظي أنني درست الرسم عن عشق كبير في كلية الفنون الجميلة بالزمالك، ذلك أنني مغرم بالبورتريه غراماً متواصلاً، فوجه الإنسان مثير جمالي بامتياز، يختزن في ملامحه الكثير والكثير من تعبيرات تعكس حالته النفسية. وأكاد أزعم أنني رسمت أكثر من مليون بورتريه طوال حياتي، من أول الاسكتشات السريعة الصغيرة بالقلم الرصاص أو الجاف حتى اللوحات الزيتية الكبيرة، لذا سيظلّ اهتمامي بالجوانب النفسية للإنسان شغلي الشاغل. وأتمنى أن أكون قد وفقت في ابتكار أسلوب كتابة خاص بي ينهض على الغوص في النفس البشرية وتحليل مكوناتها وصراعاتها مع نفسها ومن حولها... شريطة أن يتسم الأسلوب الأدبي بالعمق والحلاوة... أقول أتمنى، والحكم على مدى نجاحي يعود إلى القارئ النبيه والناقد الحصيف.

للجريمة نصيب كبير من تشكيل شخصية بطلك «الكومبارس» وأثر واضح في أحداث الرواية لكنها في الخلفية. لماذا لم تكتب الرواية البوليسية أو الرعب التي تدور أحداثها وحبكتها حول جريمة؟

الجريمة جزء أصيل في الحياة، والقتل تحديداً أخطر الجرائم رغم أنه أمر طبيعي تمارسه الكائنات الحية كافة، ونحن جزء منها. لذا ليس غريباً أن تتعرّض رواياتي لجرائم القتل، وإن كنت أخطط لكتابة رواية بوليسية أتمنى أن أنتهي منها العام المقبل.

تحمل الرواية مفارقات كثيرة تلقي بظلالها على الواقع العربي عموماً والمصري خصوصاً. هل ترى أن فن الرواية قادر على معالجة الواقع وتحريكه إلى الأفضل؟

فن الرواية هو انعكاس، بشكل ما، للواقع الاجتماعي العام، يتخذ أشكالاً عدة وفق رؤية كل كاتب. وليس مطلوباً من الرواية أن تغير الواقع إلى الأفضل، ولن يحدث ذلك من رواية واحدة مهما بلغت درجة نجاحها، فتغيير الواقع السيئ يحتاج إلى تيار متواصل من الإبداعات في المجالات كافة، في الشعر والرواية والسينما والمسرح والموسيقى والرسم والنحت... في الفكر والفلسفة... في الاقتصاد والتاريخ... وهكذا عندما يمور المجتمع بإبداعات متميزة في هذه المجالات ولفترات زمنية طويلة، هنا، وهنا فحسب يمكن للواقع المتعثر أن ينهض ويتقدم ويتطوّر.

من الرواية إلى الواقع

يرى الأديب ناصر عراق أن فكرة الكومبارس تتعدى حدود الرواية إلى الواقع، ويقول إن «المجتمع الإنساني منذ بزوغه على الأرض قبل أربعة ملايين سنة حتى الآن، والغالبية العظمى منه تعيش أدوار الكومبارس. فعدد البشر تجاوز سبعة مليارات نسمة، لكن من يقود كل هؤلاء لا يتجاوز 200 ألف شخص، على أساس أن ثمة 200 دولة في الأمم المتحدة، وكل دولة يقودها سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً نحو 1000 شخص. ويضيف: «هذه إذاً حياتنا، أبطال قليلون جداً وغالبية عظمى من الكومبارس، وسيظل الوضع هكذا حتى يستطيع الإنسان التحرر من مملكة الضرورة ليسبح في مملكة الحرية. وتتمثل الضرورة هنا في الخضوع لضرورات العمل لأجل الطعام والمسكن وخلافه».

من أعماله

صدر للأديب ناصر عراق سابقاً: «ملامح وأحوال... قراءة في الواقع التشكيلي في مصر»، و«تاريخ الرسم الصحافي في مصر». ومن أعماله الروائية: «أزمنة من غبار، من فرط الغرام، العاطل»، التي وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) الدورة الخامسة 2012، و«تاج الهدهد» و«نساء القاهرة دبي» و«الأزبكية»، و«الكومبارس».