الشاعر والناقد موريس وديع النجار:

أرفض «الصَّرعات الكتابية» التي تغزو أسواق الكتابة

نشر في 25-08-2016
آخر تحديث 25-08-2016 | 00:04
بعبارة مسكوبة من رحيق الأحاسيس متجاوزة الخصوصية إلى الشمولية يندرج نتاج الشاعر والروائي والناقد موريس النجار، واضعاً إياه في قالب رومانسي يتوهج مع كل نبضة يسطرها قلمه في حبّه الذي يتجاوز الحبيب إلى الأرض والوطن، إلى الجذور الإنسانية والثقافية التي استمد منها هويته الأدبية التي أرادها مزيجاً من أصالة في الشكل ومعاصرة في المضمون الذي يحاكي الحاضر بهواجسه وهمومه وآماله أيضاً.
له أربعة دواوين شعرية: «ثمار في الظل، وفي خِدر الشمس، ونجوى المنحنًى، وقلتها شعراً»، وفي النثر: «علمتني القلم، وطيور المحابر، وحصاد ومداد». وله رواية قيد الطبع بعنوان «أقدار».  
حول مسيرته الأدبية ورفعه لواء الرومانسية في زمن الواقعية وتمسكه بجمالية الصورة الشعرية والشكل العمودي للقصيدة، كان الحوار التالي مع موريس وديع النجار.
اللهُ والطَّبِيعَةُ والمَرأةُ مَحاوِرُ ثلاثَةٌ وقاسمٌ مُشتَركٌ في نتاجكَ الشَّعريِّ والنَّثريِّ، فهل تَعتَبِرُ هذه العَناصِرَ تُجَذّرُ الانتماءَ إلى هُوِيَّةٍ أدبيَّةٍ وإنسانيَّةٍ مُحَدَّدَة؟

هذه المَحاوِرُ هي في صَميم كلِّ إبداعٍ إنسانيّ. قد تكون مَوضُوعَةُ «الله» عُنوانَ جَدَلٍ، ولكنَّ أَثَرَها يبدو في مُعظمِ ما دَبَّجَتهُ الأَقلامُ، إِنْ رفضاً كان أو قَبولاً.

بِالنِّسبَةِ إلي الأمر واضحٌ، فَعَظَمَةُ الخالقِ تَتَبَدَّى في كلِّ نَمنَمات الكون، ويَعِزُّ على المَنطِقِ أن يَتَقَبَّلَ العقلُ وجودَ هذا النِّظامِ الَّلامتناهي الدِّقَّةِ والإعجازِ مِن باب المصادفة. وهنا أستذكرُ قَولَةَ أَينشتَاين المَشهُورَةَ عندما سَمِعَ عن مِيكانِيكا الكَمِّ وعن أَنَّها عِلمٌ قائِمٌ على الاحتِمالاتِ: “اللهُ لا يَلعَبُ النَّرْدَ God doesn’t play dice.

هذا، ولن أَغفلَ عن بعض سوانحِ الشَّكِّ، تُثِيرُها أسئلةٌ تَعصِي إدراكَنا، على أَنَّني لا أَلبَثُ أن أعودَ إلى طُمأنينةِ الآيةِ الكريمة: ﴿‏وَيَسأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلاَّ قَلِيلا﴾. فالإنسانُ، في قرارةِ ذاته، مُؤمِنٌ بِوُجودِ الخالقِ، كما جاءَ عند باسكال (Pascal): «لو لم تَكُنْ وَجَدتَني لما كُنتَ تُفَتِّشُ عَنِّي؛ Tu ne me chercherais pas si tu ne m’avais déjà trouvé.

أمَّا الطَّبِيعَةُ فإنَّها الجمالُ الَّذي لا تَشُوبُهُ شائِبةٌ، إلَّا حيث يَضَعُ الإنسانُ قَدَمَه. فهل مَن رَأَى طبيعةً بِكْراً على صورةٍ دَمِيمَةٍ حتَّى ولو كانت مِن صَحارَى الله؟!

والأدبُ، والشِّعرُ، وكلُّ الفنونِ تَمْتَحُ مِن مَعِينِها، لأنَّها تَغتَذي بِالجَمال. والطَّبيعةُ سَكِينَةٌ للقَلبِ المُضطَربِ، ومَلاذٌ للنَّفسِ الحائِرَةِ، والمُبدِعُ لا تَتَجَلَّى مَوهِبَتُه إلَّا في السَّكِينةِ وخُلُوِّ البال.

وفيما يَخُصُّ المِحورَ الثَّالث، المرأةَ، فسأتكلَّمُ عنه في سؤالٍ خاصٍّ عنها.

وفي المُحَصِّلَةِ، فالثَّالوثُ المَذكُورُ، وهو الأَثافِيُّ الَّتي يَرتَكِزُ عليها نِتاجي، فإنَّه، حقّاً، هُوِيَّتي الأدبيَّةُ والإنسانيَّةُ، ما تَنَكَّرتُ لها يوماً، ولن يكونَ إلهامِي إلَّا مِن عَبْقَرِها الَّذي لا يَنضُب.

لِلمَرأَةِ الحَيِّزُ الأَوسَعُ في شِعرِكَ، فما سببُ تأثيرِها الطَّاغي؟ والغَزلُ والحبُّ يَطبعانِ نتاجَك فهل تَهرُبُ إليهما من وحشِيَّةِ الواقع؟ وهل ما زال ثَمَّةَ مكانٌ للمَشاعِرِ في عالَمِ البَشاعات؟ والمَرأةُ المَثَلُ، في كِتاباتِكَ، هل لها صُورَتُها الرُّومنسِيَّةُ مِن عُقُودٍ وعُصُورٍ مَرَّت، أم هي تَحمِلُ وَجهَ امرأةِ عَصرِ الثَّورة التّكنولوجيَّةِ الَّتي نَعِيشُها؟

تَرتَبِطُ المَشاعِرُ الَّتي تُرافِقُ الإِنسانَ طَوِيلاً بِالمَرأَة. وهي غالِباً ما تَكُونُ جَيَّاشَةً مُثِيرَةً، تَخُضُّ الأَحاسِيسَ، وَتُحَفِّزُ الخَيالَ، وهما الدَّافِعانِ الحَيَّانِ اللَّذانِ يَتَنَفَّسانِ جَمالاً، وَإِثارَةً، وَشَهوَةً، فَيُطلِقانِ شِعراً. طَبعاً هُناكَ حَوافِزُ أُخرَى لِلشِّعرِ. مِنها، مَثَلاً، الوَطَنِيَّةُ الَّتي يَبقَى شِعرُها مَضبُوطاً بِالفِكرِ فَتَتَقَلَّصُ شِعرِيَّتُه. وهُناكَ المَوتُ الَّذي يَبقَى شِعرُهُ مَحدُودَ المَدَى وَالتَّعبِير.

أَمَّا حُبُّ المَرأَةِ، فَيُلازِمُ الرَّجُلَ مِن طُفُولَتِهِ حَتَّى أُفُولِ شَبابِهِ، وَهي مَراحِلُ العَطاءِ الأَسخَى، وَدَفْقِ الشُّعُور. وَكَثِيراً ما يُرافِقُهُ في كُهُولَتِهِ، وَلَرُبَّما مَشَى في جَنْبِهِ حَتَّى نِهايَةِ الشَّيخُوخَة.

وَهَل لَنا أَن نَنْسَى جَمِيل بُثَيْنَةَ صادِحاً:

“يَهواكِ، ما عِشتُ، الفُؤادُ، فَإِنْ أَمُتْ، يَتبَعْ صَدايَ صَداكِ بَينَ الأَقْبُرِ”؟!

أمَّا البَشاعاتُ الَّتي تَلُفُّنا، والهُمُومُ الَّتي تُلازِمُنا، فَمُجالَدَتُها تكون في كلِّ مُتَنَفَّسٍ جَمالِيٍّ، والمرأةُ هي في صَدرِ رُكنِهِ، وهي، متى أَلقَت دلالَها، فليس لِقلبٍ أن يُمانِعَ، ولا لِقافِيَةٍ إلَّا أَن تَنبَجِسَ كالنَّبعِ الَّذي يَشُقُّ أَدِيمَ الأَرضِ ثُمَّ يَكسُوهُ بِالزَّهرِ والثَّمَرِ والاخضِلال.

وصورةُ المرأةِ، عندي، هي صورةُ الجمالِ الخالصِ، لذا فهي رُومنسِيَّةٌ، شَفِيفَةٌ لا تَمُتُّ بِصِلَةٍ إلى امرأةِ العصرِ المُرَكَّبَةِ مِن سِيلِيكُونِهِ ومَوادِّهِ النَّافِخَة.

أَمَّا عَنِ السَّبَبِ المُباشِرِ لِتَأثِيرِ المَرأَةِ في شِعرِي، فَلْنَسأَلِ اللهَ الَّذي بَرانِي على حُبِّ هذا المَخلُوقِ اللَّطِيفِ الَّذي يَمُرُّ كَنَسِيمٍ، وَلكنَّهُ يَفلِقُ القَلبَ كما فَلَقَت عَصا مُوسَى البَحرَ فَلقَتَين. وَمَن يُكابِرُ في عِنادِهِ أَمامَ هذا النَّسِيمِ نَقرَأُ لَهُ مِن ابْنِ الرُّومِيِّ:

“وَيلاهُ إِن نَظَرَت وَإِن هِيَ أَعرَضَت وَقْعُ السِّهَامِ وَنَزعُهُنَّ أَلِيمُ”!

أَلَا رَحِمَ اللهُ العَلاَّمَةَ هَانِي فَحْص الَّذي قال: “مِعيَارُ الإِبداعِ فِي الشِّعرِ، أَو بِدَايَتُهُ، لَدَيَّ، هُوَ الغَزَلُ، وَمَن أَبدَعَ غَزَلاً تَعَيَّنَ شَاعِراً حَتَّى لَو لَم يُبدِعْ فِي غَيرِهِ أَو لَم يَقُلْ غَيرَه...”.

جمالية التعبير

تُؤْمِنُ بِالرُّومنسِيَّةِ في عَصرِ الواقعِيَّةِ، ألا تَعتَبِرُ أنَّكَ تُغَرِّدُ خارجَ السِّربِ لا سيَّما أَنَّ العَبَثِيَّةَ تُسَيطِرُ على مُعظَمِ النِّتاجاتِ الأَدَبِيَّةِ اليَوم؟

مِعيارِي الأَوَّلُ في الأَدَبِ والشِّعرِ هو الجَمال. والنِّتاجُ الَّذي لا يَتَزَيَّا بِلُغَةٍ سَلِيمَةٍ، جَمِيلَةِ الصُّوَرِ، وَثَّابَةِ التَّعابِيرِ، ثَرَّةِ الخَيالِ، فهو يَقتَرِبُ مِن البَلاغِ الصِّحافِيِّ الجافّ. وبِصَراحَةٍ أَقُولُ إِنَّ «الصَّرعاتِ الكِتابِيَّةَ» الَّتي تَغزُو أَسواقَ الكِتابَةِ، والَّتي تُشَوِّهُ الذَّوائِقَ، وتُنَفِّرُ القارِئَ، لا أَفهَمُها، ولا أَستَسِيغُها، وأَربَأُ بِلُغَتِنا الرَّائِعَةِ أَن تَنحَدِرَ إلى دَرَكاتِها. فهل بِتنا في قَبضَةِ «يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدِين في أَرضِ» الإِبداع؟! وهل يَصِحُّ الصَّمتُ، أَم تَجِبُ الانتِفاضَةُ المُحيِيَة؟!

وإذا كان الالتِزامُ بِجَمالِيَّةِ التَّعبِيرِ تَغرِيداً خارِجَ السِّربِ، فهو لا يَضِيرُني فَتِيلاً، فأنا أَلتَزِمُ سِربَ الحَساسِينِ قَلباً وقالَباً!

نِتاجُكَ سَواءٌ النَّثرِيُّ أو الشِّعرِيُّ يَتَمَحوَرُ حَولَ الحالَةِ الِإنسانِيَّةِ، فإِلى أيِّ مَدًى يَعكِسُ الواقِعَ ويُعَبِّرُ عن القضايا المَطرُوحَةِ اليومَ سَواءٌ الأَدَبِيَّةُ أو السِّياسِيَّةُ أو الاجتِماعِيَّة؟ وهل أنتَ مِن دُعاةِ الأَدَبِ المُلتَزِمِ، أَم الأَدَبِ الحُرِّ الطَّلِيق؟

لا يكونُ العَمَلُ الأَدَبِيُّ أو الشِّعرِيُّ ذا قِيمَةٍ ودَيمُومَةٍ إن لم يُلامِسِ الوِجدانَ الإِنسانِيّ. والوِجدانُ الخاصُّ هو صُورَةٌ لِوِجدانٍ عامٍّ، وَسُعَ انتِشارُه أم تَقَلَّص.

وأنا لستُ مع الأَدَبِ المُلتَزِمِ بِأَيديُولُوجيا سِياسِيَّةٍ، لأَنَّهُ يُصبِحُ مَطِيَّةً لها، وتَغدُو هي غَرَضَهُ الرَّئِيسَ، وحِينَها قد يُضَحِّي بِمُقَوِّماتِ البَيانِ، وَالجَمالِيَّةِ، في سَبِيلِها.

فالقضايا المَطرُوحَةُ، مِن كلِّ نَوعٍ، تَجدُرُ خِدمَتُها، والدِّفاعُ عنها، بالُّلغَةِ المُبَسَّطَةِ الَّتي تَبلُغُ شَرائِحَ أوسَعَ مِن النَّاسِ، لا الُّلغَةِ الجَمالِيَّةِ الرَّاقِيَةِ الَّتي تَتَوَجَّهُ إلى السَّراة.

نِتاجِي، وخُصُوصاً الشِّعرِيُّ، هو صُورَةٌ صادِقَةٌ لما يَعتَمِلُ في مَشاعِرِي، لذا أَظُنُّها تَهُزُّ مَشاعِرَ الآخَرِينَ، وحَسبِيَ هذا.

ولكم صَدَقَ أَمِين نَخلَة بقوله: «الشِّعرُ يَدُورُ عَلَى وَصفِ الحَيَاةِ لا عَلَى فَضِّ مُشكِلاتِهَا».

تَتَمَتَّعُ بِثَقافَةٍ عَمِيقَةٍ نَتِيجَةَ تَراكُمِ قِراءاتِكَ حَولَ نِتاجِ كِبارِ الشُّعَراءِ وحَتَّى حِفظِها، فهل تَنطَلِقُ مِن هذه الثَّقافَةِ لِلإِبداعِ الشِّعرِيِّ والنَّثرِيّ؟

الثَّقافَةُ، والاطِّلاعُ على أَعمالِ المُبدِعِينَ، رافِدٌ قَوِيٌّ لِلشَّاعِرِ والأَدِيب. فَكُلُّ نِتاجٍ جَيِّدٍ هو، في حَيِّزٍ وافٍ مِنهُ، استِعادَةٌ لاشُعُورِيَّةٌ لِقِراءاتٍ مَرَّت في العَقلِ فَتَمَثَّلَها، ثُمَّ غابَت بِفِعلِ الزَّمَنِ والنِّسيانِ، وبَقِيَت مِنها، في العَقلِ الباطِنِ، عُصارَةٌ خَفِيَّةٌ، فَبَرَزَت إلى الذِّهنِ حِينَ وافَتها ظُرُوفٌ مُؤَاتِيَةٌ، كَبِذرَةٍ مَدفُونَةٍ في التُّرابِ أَعادَها دِفْءُ الرَّبِيعِ، ورِيُّهُ، إلى الازهِرارِ، والاخضِرارِ، والإِثمار.

والتَّناصُّ مَشرُوعٌ إذا ساقَهُ لاشُعُورٌ سَلِيمٌ، وليس مُسَوَّغاً إِطلاقاً إذا تَعَدَّى حُدُودَ الحَياءِ لِيُصبِحَ تَعَدِّياً على فِكرِ الآخَرِينَ، وسَطواً مَوصُوفاً. ومع الأَسَفِ هناكَ فِئَةٌ لا تَتَوَرَّعُ عَن امتِطاءِ مَطِيَّةِ المُبدِعِينَ، ثُمَّ «تَمُدُّ الأَيدِي إلى خَرجِهِم». فإذا سَمِعتَ بَعضَ «إِبداعِهِم» تَذَكَّرتَ قَولَ الكِتَابِ المُقَدَّس: «الصَّوتُ صَوتُ يَعقُوبَ، أَمَّا اليَدَانِ فَلِعِيسُو».

ولا نَنسَى ما قالهُ زُهَير بنُ أَبِي سُلْمَى:

«مَا أَرَانَا نَقُولُ إِلَّا مُعَاداً، أَو مُعَاراً، مِن قَولِنَا، مَكرُورُا».

وما أَشارَ إِلَيهِ رُولان بَارْت: «إِنَّ كُلَّ نَصٍّ جَدِيدٍ هو نَسِيجٌ جَدِيدٌ لاقتِباساتٍ ماضِيَة».

المرأة... والساحة الثقافية اليوم

الشاعر والناقد موريس وديع النجار الذي عَرَّفَنا إلى المَرأَةِ في شِعرِه وأَدَبِه، ينظر إليها على أنها «نِصفُ المُجتَمَعِ، وَبِيَدِها مِفتاحُ التَّربِيَةِ في أَخطَرِ مَراحِلِ عُمرِ الإِنسانِ: طُفُولَتِه. وَ{الطِّفلُ هُوَ وَالِدُ الرَّجُل»، كما اتَّفَقَ عَلَيهِ فرُويْد والشَّاعِرُ وُردثْوُرث. وَالمَرأَةُ في حَياةِ الرَّجُلِ مُتَنَفَّسُ الطُّمَأنِينَةِ وَالسَّعادَةِ وَالعَزاء. هي الأُمُّ، وَالزَّوجَةُ، وَالحَبِيبَةُ، وَالابنَةُ، وَالأُخت». يتابع: «كما إِنَّها أَو تَدفَعُ بِالرَّجُلِ إلى الأَمامِ، أَو تُؤَخِّرُ تَقَدُّمَه. وقالَت مَيّ زِيادَة: «عَبَثاً يَقتَحِمُ الرَّجُلُ مَنَاطِقَ الذُّرَى، إِن لَم تَكُنْ رَفِيقَتُهُ في أُفُقِهِ المَعنَوِيِّ، إِنَّها تَقتُلُ مَوَاهِبَهُ بِسَخَافَاتِها، وَإِذَا حَاوَلَ التَّحلِيقَ فَوقَ جَبَلٍ، كَانَت هِيَ جَبَلاً مُعَلَّقاً في عُنُقِه». وَلَكَم أَصابَ أَحمَد شَوقِي حِينَ قال: «الأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ».

ويؤكد النجار «ضرورة البَدْءُ بِتَعمِيمِ العِلمِ، وَإِلزامِهِ في مَرحَلَتِهِ الابتِدائِيَّةِ، وَتَكرِيسِ حَمَلاتٍ إِعلامِيَّةٍ مَدرُوسَةٍ لِتَشجِيعِ النَّاسِ عَلَيهِ، وَحَثِّ المَرأَةِ على طَلَبِه. فقد باتَ مِنَ البَدَهِيِّ، أَنَّ مِقدارَ تَقَدُّمِ الشُّعُوبِ يَتَساوَقُ (Proportionnel) مَعَ تَطَوُّرِ المَرأَةِ عِلْماً، وَثَقافَةً، وَانخِراطاً في عَمَلِيَّةِ نُهُوضِ المُجتَمَع».

أما عن مَوقِع المرأة في الحَياةِ الثَّقافِيَّةِ الرَّاهِنَةِ في وَطَنِنا، فيوضح أنه «إِلَى نُمُوٍّ وَتَحَسُّن. وفي السَّاحَةِ الأَدَبِيَّةِ حُضُورٌ لها لَمَّا يَصِلْ بَعْدُ إِلى وَهَجِ حُضُورِ الرَّجُلِ، وذلكَ عائِدٌ إلى رَواسِبَ مِن ماضٍ مُظلِمٍ اقتَصَرَ حُضُورُ المَرأَةِ فِيهِ على الإِنجابِ، وَأَعمالِ المَنزِل».

النجار يُقَيِّمُ السَّاحَةَ الثَّقافِيَّةَ اليومَ وكَمَّ النِّتاجاتِ الصَّادِرَةِ كُلَّ يَوم، موضحاً أن «الإصداراتُ الأَدَبِيَّةُ، بِالأَعدادِ الكَبِيرَةِ، لَهِيَ مُؤَشِّرُ خَيرٍ على أَنَّ الثَّقافَةَ تُقاوِمُ المَدَّ التِّكنُولُوجِيَّ الزَّاحِفَ بِجَبَرُوتٍ لا يُقاوَم. الكَثِيرُ مِمَّا تُخرِجُهُ المَطابِعُ جَيِّدٌ، حَقِيقٌ بِالحَياةِ، ولكنَّ قِسماً كَبِيراً إلى جانِبِهِ دَخِيلٌ على الأَدَبِ والشِّعرِ، وقد لا يكونُ لِسَنَواتِ بَقائِهِ عُمْرَ الوُرُود».

يتابع: «والدَّهرُ نَقَّادٌ»، وغِربالُهُ دَقِيقٌ، فَلَن يَبقَى، على مُرُورِهِ، إِلَّا الرَّقاعُ الَّتي تَحمِلُ أَسبابَ الحَياةِ والدَّيمُومَةِ في مِدادِها».

«في الخُلاصَة: مِن مُتابَعَةِ النِّتاجاتِ الجَدِيدَةِ والصَّفَحاتِ الثَّقافِيَّةِ، وَالمَجَلَّاتِ الأَدَبِيَّةِ، نَلمَحُ نَشاطاً لِلكِتابَةِ يُبَشِّرُ بِالخَيرِ، وَلكنَّهُ يُقَصِّرُ أَحياناً عَن بُلُوغِ مَناطِقِ الإِبداع. فَالكِتابَةُ صَنْعَةٌ تَتَطَلَّبُ عُدَّةً هِي اللُّغَةُ وَالاطِّلاعُ على التَّجرِبَةِ الإِنسانِيَّةِ العامَّة».

back to top