فاقد الشيء يعطيه!
![مسفر الدوسري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1507745577082709700/1507745592000/1280x960.jpg)
نعم نحن لا نُطالب بما لا نملك من الأشياء المادية، لأننا ببساطة لا نملك كل شيء مادي، ولم تعط الحياة لامرء قط كل شيء، لكننا خلقنا ولدينا كلنا ذات المشاعر، الحب والكراهية، والخوف والأمان، والحزن والفرح، والغدر والانتقام، وكل المشاعر الخيِّرة والشريرة، ونحن الذين نختار بمحض إرادتنا شجرة من داخلنا، لنهتم بها ونسقيها، لتكبر ونستظل بها، سواء كانت طيبة تلك الشجرة، أم خبيثة.نحن الشركاء والمساهمون الرئيسيون في رسم ملامحنا، لذا ففاقدوا الرحمة على سبيل المثال نوعان؛ هناك فاقد الرحمة في ذاته، وهناك فاقدها في محيطه، وكثير منا من يجيد الخلط بينهما، بل إن أعرافاً وتقاليد نُسجت من صوف هذا الخلط، وأصبحت خياماً قائمة لا عماد لها تستظل بها عقول الكثير، وتهتدي بضوء نيرانها القناعات، وأصبحت الأحكام معلبة جاهزة بطعم الفاكهة المجففة، فالبيت ذو السمعة السيئة محكوم على أحفاده سلفاً بالفساد إلى أن يشاء الله، لأنهم يفتقدون الصلاح، والعكس صحيح للبيت ذي السمعة الحسنة، فالأول أبناؤه الذين لم يولدوا بعد مذنبون حتى تثبت براءتهم، التي لن تقدم لهم على طبق من فضة.أما البيت الثاني، فأبناؤه بريئون حتى ثبت إدانتهم، وهي أيضاً لن تُقدم على طبق من فضة، هذا هو الخلط الذي بُني عليه فهم مقولة ان "فاقد الشيء لا يعطيه".المشاعر الإنسانية لا تورث، فكلنا يُولد بها، منا مَن يُحسن رعايتها، ومنا من يسيء، وفسادها من صنع أيدينا، والمنطق أولى أن يقول إن من افتقد الخير في محيطه، أكثر الناس حسناً في تقديمه، لأنه ذاق وجرَّب مرارة وألم الشر، ويعرف طريق النجاة منه، طالما لم يفقد الخير في ذاته، الأشرار أو الفاسدون ليسوا نتاج بيئاتهم فقط، إنما باختيارهم، وبمساعدة أنفسهم وعزمهم على أن يكونوا كذلك، وكذلك الصالحون الطيبيون، وبإمكان المرء أن يرعى في ذاته شجرة الخير، حتى وإن عاش في غابة الشر، أو أن يفعل العكس... ولأنه بإمكاننا ذلك، فنحن نُجزى ونُعاقب على ما يتساقط من الشجرة التي نرعاها فينا من ثمر أو شوك!