بدأ المخرج يسري نصر الله مسيرته الإخراجية بفيلم «سرقات صيفية»، وبعده توالت أفلامه: «مرسيدس»، «صبيان وبنات»، «المدينة»، «باب الشمس»، «جنينة الأسماك»، «احكي يا شهر زاد» و{بعد الموقعة». وفي تجاربه كافة، يمكن القول إنه يصنع الفيلم الذي يمثله شخصياً، أي المعبر عن رؤيته، ومواقفه، مهما تباينت الآراء حوله وحولها. ومن هنا، لم يفاجأ المقربون منه عندما أعلن نية التعاون مع المنتج أحمد السبكي في فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن»، وكان لدى من يعرفونه يقين جازم أن أحداً لن يفرض عليه ما لا يريد، وهو ما فعله بدرجة ما في الفيلم، الذي بدا وكأنه «نزوة» سينمائية!

«الماء والخضرة والوجه الحسن» عن الأرواح عندما تتلاقى، والحياة التي ينبغي أن تُعاش حتى الثمالة، والإنسان البسيط الطامح إلى تحسين وضعه. لكن الوصول إلى هذه الرسالة كان يستوجب الكثير من الرؤية الناضجة والجودة الفنية العالية، التي لم تتوافر للفيلم.

Ad

باستثناء الخروج بالكاميرا (سمير بهزان) إلى المواقع الحقيقية، واستغلال المناظر الطبيعية landscape، والموسيقى (وائل علاء)، اتسم العمل بفتور بلغ حد الصقيع. وباستثناء أداء أحمد داود والوجه الجديد زينة منصور ومعهما علاء زينهم، تحوّل الأبطال (ليلى علوي ومنة شلبي وباسم سمرة) إلى أشباح، وكان الأحرى بالمخرج، كي تكتمل مغامرته الفنية، أن ينتقي طاقم التمثيل بالكامل من الوجوه الجديدة، وليته اكتفى بالهم الاجتماعي وابتعد عن السياسة، إذ لم يكن في حاجة إلى {تيمة} الفاسد الذي يرشح نفسه لمجلس الشعب، و{الانفتاحي}، الذي يستهدف محو الهوية، ويخطط للهدم، بغية الاستيلاء على الأصول والتراث تحت ذريعة {الاستثمار}، خصوصاً أنه لم يقدم، في هذا السياق، معالجة جديدة تختلف عن تلك التي قدمتها السينما المصرية في أفلام كثيرة سابقاً!

تجري الأحداث في بلقاس، من خلال عائلة الطباخ، التي يعولها الطباخ المخضرم {يحيى} (علاء زينهم)، الذي قام بتوريث المهنة لابنيه {رفعت} (باسم سمرة) و{جلال} (أحمد داود). ونظراً إلى براعة العائلة سُمي الشارع الذي يسكنونه {شارع لوكاندة الطباخ}. لكن الثري {فريد} (محمد فراج)، الذي يُذكرك بالطفيليين، ورموز {انفتاح السداح مداح}، يطمع في الاستيلاء على اللوكاندة بحجة تحويل أرضها إلى مسجد ومستشفى ومصنع لتغليف وجبات الطعام السريع. ويبذل قصارى جهده لاستقطاب الابن {جلال} إلى صفه، نظير جواز سفر ووظيفة في السعودية، فالتاريخ الشخصي للفتى ملوث بتهمتين تمسان الشرف، أولهما تهربه من أداء الخدمة العسكرية، والثانية سجنه بعد اعتدائه على ضابط شرطة. لكن الفيلم يكتفي بهذا الصراع {الشفهي} بينه و{الجيش} و{الشرطة}، ولا يتحرك خطوة أبعد من ذلك، وهو النهج الذي يسير عليه طوال الأحداث. فالأخ الأكبر {رفعت} يُرغم على خطبة ابنة عمه {كريمة} (منة شلبي) لكن قلبه معلق بابنة البلدة {شادية} (ليلى علوي)، التي تزوجت وسافرت ثم طُلقت وعادت لتُحيي الأمل لديه، فيما تحب {كريمة} شقيقه {جلال}، ولا تتردد في مصارحة خطيبها بذلك، بينما يسقط {جلال}، الذي تزوج وأنجبت زوجته سابقاً، في غواية الزوجة اللعوب {حسنية} (زينة منصور)، ويُغرم الطالب الجامعي {عاشور} (محمد الشرنوبي) الذي يعشق الغناء الهندي، بالمراهقة {فاتن} (لما كتكت) شقيقة {فريد}، ويساعده {رفعت} على الزواج منها عرفياً!

لعلها المرة الأولى التي ترصد فيها السينما المصرية عالم طباخي الأفراح الشعبية، وهي الفكرة التي نسجها باسم سمرة، ونجح المخرج يسري نصر الله في تجسيدها على الشاشة، عبر شخوص من لحم ودم، وتفاصيل مهنية غاية في الثراء، وتعاطف حميمي مع شريحة من البشر عانت تجاهلاً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً، فضلاً عن الدعوة المتفائلة إلى حب الحياة، والاستمتاع بها حتى النفس الأخير، بل وما بعد الموت أيضاً. لكن الصراع يبدو فاتراً، والارتباك صارخاً، بسبب تحميل الفيلم ما لا يطيق من {أيديولوجية}، و{إسقاط سياسي}، والزج بالراقصة والمغني الشعبي محمود الليثي (بناء على أوامر المنتج). وكلها أزمات كانت سبباً في الخلل الذي أصاب الفيلم بسبب السيناريو المشوش غير المترابط، والمليء بشخصيات لم تضف شيئاً، كالعمة {فكرية} (أنعام سالوسة) وجماعة الغجر، وأخرى بدت مقحمة لأسباب شريرة، كالزوجة الثرية المتغطرسة {أم رقية} (صابرين)، وأخرى طائفية مثل {المقدس مرقص} (صبري عبد المنعم)، بالإضافة إلى المواقف شديدة الافتعال، كابتزاز {عاشور} بسبب عقد الزواج العرفي، وتوريطه في الاتجار بالمخدرات، وصولاً إلى النهاية العبثية، التي أفضت إلى قتله، بعد إخصائه، بواسطة عصابة الثري {فريد} انتقاماً منه لأنه تزوج شقيقته عرفياً. وهو العبث الذي تكرر في مشهد ثورة الأهالي، بعد تحرير {فاتن} من قبضة شقيقها، واقتحام الحفلة الكبيرة، التي حضرها محافظ الإقليم، وأمر خلالها بالقبض على {فريد}، بعد كشف فساده وانحرافاته، وتطليقه زوجته المتغطرسة {أم رقية}، التي أبت الاستسلام للهزيمة، وهددت الأهالي بالويل والثبور، ومن ثم لجأت إلى تحرير أسراب النحل من الخلية لتهاجم الجميع، الذين احتموا بالترعة، ولما أدركوا النجاة علت ضحكاتهم في نهاية سخيفة تتسق وسخافة الفيلم نفسه!