فيرنر هيرزوغ يغوص في عالم الإنترنت في Lo and Behold
يفكك فيرنر هيرزوغ الإنترنت في فيلمه الوثائقي الأخير Lo and Behold, Reveries of Connected World (انظر، أحلام يقظة العالم المترابط). فيغوص فيها ليتفحّص داخلها بدقة: إمكاناتها العظيمة وأشراكها المدمرة المحتملة. يمتاز هذا العمل بأسلوب هيرزوغ الخاص ووجهات نظره الفريدة بما تحمله من تشكيك وأمل وفضول عميق. وهكذا نرى من خلال عينيه الإنترنت من منظار مختلف، كما لو أننا نضع هذا الكيان، الذي تحوّل إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تحت المجهر.
يحمل Lo and Behold لمسات هيرزوغ الوثائقية وبصماته الخاصة، من صوته العميق الفريد الذي يمتاز بلهجة بافارية واضحة إلى سخريته في تناول مواضيع من الواقع، فضلاً عن ميله إلى إبقاء الكاميرا مسلطة على مَن يشاركون في أعماله قبل بدئهم بالكلام وبعد انتهائهم، ما يشكّل مذكِّراً صامتاً بأننا نشاهد فيلماً ونصغي إلى حجج مركبة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو حضور هيرزوغ قوياً دوماً في كل أفلامه الوثائقية، مع أننا قلما نراه.يُقسَّم هذا الفيلم الوثائقي إلى 10 فصول تتناول أوجهاً عدة من شبكة الإنترنت باستعمالاتها وتطبيقاتها الكثيرة، ومن هذه الفصول The Glory of the Internet (عظمة الإنترنت) و The Dark Side (الوجه القاتم). وهكذا يغوص هيرزوغ في شتى المواضيع: من القراصنة وبرامج إعادة تأهيل على الإنترنت إلى التحرش عبر الإنترنت واحتمال مساهمة هذه الشبكة في شفاء الأمراض بتوحيد الجهود. حتى إن هيرزوغ يتخيل {الإنترنت على المريخ}(Internet on Mars).
يقفز هذا الفيلم من موضوع إلى آخر بسرعة كبيرة. نتيجة لذلك، يُضطر المشاهد في بعض المراحل إلى البحث عن محور واضح. على سبيل المثال، ننتقل فجأة من طالب جامعي يتحدث بحماسة عن كرة القدم الآلية إلى صورة محزنة عن عائلة دمرتها المضايقات عبر الإنترنت بعد موت ابنتها. ولا شك في أننا نفرح حين نتأمل قدرتنا على ربط العالم التي تتيح لنا العمل معاً بغية التوصل إلى علاج للأمراض، إلا أننا سرعان ما نتعرف إلى مجموعة ممن يعانون المرض بسبب الموجات الراديوية غير المرئية التي ما عدنا نستطيع الهرب منها. لكن توالي هذين الموضوعين يزيد مشاعرنا تجاه الإنترنت تعقيداً. إذاً، لا يقتصر Lo and Behold على الأحلام.لا يظهر هيرزوغ أمام الكاميرا في Lo and Behold، إلا أننا نلمس حضوره بوضوح، فيما يروح يطرح الأسئلة على المشاركين في هذا العمل، ومعظمهم من العلماء والباحثين، ويمازحهم. على سبيل المثال، يعارض بعناد عالماً متخصصاً في علم الآليين يتساءل عما إذا كانت الأفلام التي سينتجها الآليون ذات يوم ستضاهي أعمال هيرزوغ جودة. في الختام، يُفاجئ هيرزوغ علماء الفلك والباحثين والمستثمرين في مجال الإنترنت الأذكياء هؤلاء بسؤالهم: {هل تحلم الإنترنت بنفسها؟}. فيشكّل صمتهم فيما يبحثون عن جواب إشارة كافية إلى الأسئلة التي لا جواب عنها حتى اليوملكن طرح هيرزوغ يتخذ منحى أكثر تفاؤلاً نحو الجزء الأخير من هذا الفيلم. بعد أن يمطر هؤلاء الباحثين بأسئلة عن الحب والأحلام وغيرهما من المسائل الإنسانية المعقدة التي ترتبط بالإنترنت، يقدّم لنا هيرزوغ صورة لا يمكننا التوصل إليها عبر شبكة الإنترنت: نشاهد فرقة موسيقية تعزف ألحاناً أميركية تقليدية في بلدة في جبال الأبالاش قُطعت فيها كل الموجات الخلوية والراديوية كي لا تؤثر في عمل مقراب فلكي. ولا شك في أن الفرح الذي نلاحظه في الموسيقى وفي ارتباطها بالمجتمع أمر يعجز الذكاء الاصطناعي عن تقليده، في المستقبل القريب على الأقل. لربما نحلم بعالم جديد تساهم الآلات في ربط أجزائه، ولكن علينا ألا نتخلى عن تلك الطرق التي أتاحت لنا التواصل طوال آلاف السنين.