نملك عادةً نظرة ثنائية إلى التفاؤل: فيتحلى البعض به، في حين يفتقر إليه البعض الآخر. وهذا ما نشير إليه عندما نتحدث عن رؤية النصف الممتلئ أو النصف الفارغ من الكوب. لا شك في أن البعض يتحلون بالقوة والموارد الكافية لمواجهة حدث ما، في حين يقف البعض الآخر مشلولاً أمام الحدث عينه. إذاً، تختلف القدرة على مواجهة تطورات الحياة باختلاف الأشخاص. درس شون أشور هاتين الشريحتين من الناس وتعمق في تفاصيل النظرة المتفائلة إلى الحياة وطرق تطويرها وبنائها. يوضح: «يتمكن البعض في التقدم وإحراز نجاح في ظروف معينة، في حين يستسلم آخرون عندما يواجهون الظروف عينها. ويعود ذلك إلى أن هاتين الفئتَين من الناس تعيشان في واقعَين مختلفَين». نتيجة لذلك، لا يُعتبر الإطار العام أساسياً، فالأساسي حقاً نظرتنا إلى ما نعتبره مهماً. يشير علماء النفس: «مهما كانت قصة حياتنا والظروف التي مررنا بها، يمكننا دوماً أن نختار المنظار الذي نرغب من خلاله تأمل الأحداث وأنفسنا، حتى عندما نواجه الصعاب. إذاً، نستطيع أن نقرر النظر إلى المسائل بتفاؤل، إلا أن تفاؤلنا هذا لا يدفعنا إلى إنكار الواقع. على العكس، يفرض علينا التفاؤل أخذ الواقع في الاعتبار، حتى لو عاكسنا». ومن المؤكد أن هذا الخيار يتيح لنا تحقيق نجاحات أكبر بالاستناد إلى ما يتوافر لدينا، فضلاً عن الحفاظ على إيجابيتنا ونشاطنا.
اختبار
هل تستطيع الحفاظ على تفاؤلك؟
تستطيع بالتأكيد اختيار التفاؤل. هل تساورك شكوك حيال ذلك؟ اكتشف إذاً مقدراتك بالإجابة عن هذه الأسئلة العشرة، التي تستند إلى كتاب شون أشور.1 يعود ولدك إلى المنزل وقد نال علامة سيئة جداً في إحدى المسابقات:أ- تبحث في الملاحظات التي دونها الأستاذ على الهامش عما يتيح لك مساعدته.ب- تبحث على شبكة الإنترنت عن مقاربات إلى هذه المادة قد تساعده في فهمها بشكل أفضل.ت تبحث في محيطك عن عمة أو خالة تجيد هذه المادة أو عن صديقة تدرّسها بغية مساعدته.2 خلال زيارة اللوفر، لا بد من أن تمر أمام لوحة الموناليزا. ولا شك في أن هذه فرصة ملائمة لالتقاط صورة:أ- تلتقط صورة للحشد المتحمس المجتمع حول اللوحة، فهذا ممتع جداً.ب- تلتقط صورة للوحة الموناليزا من بعيد، فلهذا السبب أتيت إلى اللوفر.ت- تطلب من أحد أن يلتقط لك صورة وأنت واقف أمام لوحة الموناليزا.3 في كل عيد ميلاد، تستمتع حقاً:
ت- عندما تلتقي مجموعة من أصدقائك.أ- عندما تكتشف المفاجأة التي أعدوها لك.ب- عندما تشعر بجو العيد الذي يحيط بك.4 أي من هذه الصفات تميزك؟
ب- الوضوح.ت- الإصغاء.أ- الفضول.5 لا تتمكن من اتخاذ قرار إلا بعد أن تستشير المحيطين بك.
ب- كلا على الإطلاق.أ- ليس دوماً.ت- تفضل ذلك.6 أمضيت يوماً مضنياً في العمل. فكيف تتعاطى مع رسائلك الإلكترونية واتصالاتك الهاتفية؟ت- تقطع كل اتصال لك مع العالم الخارجي باستثناء هاتفك.ب- تنعزل طوال الفترة التي تحتاج إليها كي تشعر بالراحة.أ- من الصعب أن تتخلى عن كل وسائل الاتصال هذه، إلا أنك تسعى للحد منها.7 شارف نهارك المضني في العمل على الانتهاء، فتفكر:
ب- كم من المريح أن تنجز هذا الكم من المهام بسرعة أكبر من المتوقع!أ- كم من المريح أن تتوصل إلى حلول أفضل مما كنت تتوقعه!ت- كم من المريح أن تتمكن من التفاهم بسهولة مع مَن تعمل معهم بغية التقدم بفاعلية أكبر!8 إذا أردت تقييم مسألة ما بعمق، فما الأفضل من...ت- إجراء مناقشة صادقة مع أصدقائك المقربين منك؟أ- الخروج من المنزل وتبديل الجو العام كي تكتسب بعداً كافياً يتيح لك تأمل هذه المسألة بشكل شامل؟ب- تخصيص فترة من الوقت للانعزال والتركيز؟9 التجدد..
أ- يذهلك.ب- يمدك بالطاقة.ت- يصدمك.10 ميزة بالغة الأهمية تسعى للتحلي بها:
ب- الإصرار.ت- التعاطف.أ التفكير العميق.النتائج
اعدد الأجوبة التي اخترتها واكتشف الوصف الذي يلائمك:إن كانت غالبية الأجوبة أ:
تستطيع أن تبدّل المنظار الذي تتأمل من خلاله حياتك.
• مزاياك: لا تسير الحياة مطلقاً في اتجاه واحد. وعندما تقرر اختيار التفاؤل، تحمل في جعبتك مناظير عدة تتيح لك رؤية السلبي فيها كما الإيجابي. ولا شك في أنك تجيد استعمالها. تتقن تمييز الفرص كما العقبات، وتدرك الظروف التي يمكنك فيها تحقيق النجاح، التقدّم، وبلوغ السعادة، حتى عندما تواجه الأهداف الصعبة. أنت لا تستسلم بسهولة، بل تسعى دوماً إلى استغلال ما يتوافر لديك للمضي قدماً.• ما عليك العمل على تحسينه: عزز قدرتك على إنجاز المشاريع. لا شك في أن امتلاك منظار إيجابي يشكّل خطوة جيدة. إلا أنه ليس كافياً بمفرده. فعليك فضلاً عن ذلك أن تتقن استعماله لمعرفة الوجهة التي تسير فيها والهدف الذي تسعى إلى تحقيقه. ينصح علماء النفس: «إذا قررت التمسك بالتفاؤل، فعليك أولاً أن تطور نظرتك إلى المستقبل. لذلك انطلق في مشروع ما وضع نصب عينيك هدفاً محدداً. اعرف وجهتك والدرب الذي تود السير فيه. وهكذا تعزز التزامك وتطور قدرتك التنافسية، فضلاً عن مواقفك المتفائلة».نتيجة لذلك، يشجّع شون أشور على إعداد «بطاقات ذهنية» تحدد فيها الأعمال التي تنوي إنجازها والأهداف التي تسعى لبلوغها. ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ من الضروري أولاً أن تحدد كل ما له معنى وهدف في حياتك، فضلاً عن مكوناته الكاملة. وقد يشمل ذلك عملك، علاقاتك مع الأصدقاء والأحباء، هواياتك، وما شابه. أعدّ لائحة بنحو اثني عشر مؤشراً من هذه المؤشرات المهمة في حياتك، مثل «السفر مع العائلة» أو «السعي لزيادة مدخول الأسرة». ثم اسأل نفسك كل يوم: «ما قد يقرّبني اليوم من أهدافي هذه؟». بالإضافة إلى ذلك، خصص القليل من الوقت كل شهر لتجلس في هدوء وتقييم التقدم الذي حققته في هذه الخارطة الذهنية والجهود التي ما زال عليك بذلها. اطرح على نفسك أسئلة مثل: أما زلت أقف في مكاني؟ وهل أسير في الاتجاه الصحيح؟ تُعتبر عملية إعادة التقييم المنتظمة هذه ضرورية بغية التحقق من أنك لا تعود إلى الخلف وأنك لا تفتقر إلى الخطة اللازمة للتقدم. يذكر علماء النفس: «يدفعك التفاؤل إلى العمل بنشاط. ولا شك في أن هذا الموقف ينعكس على العالم المحيط بك».إن كانت غالبية الأجوبة ب:
تعرف ما يهمك حقاً في الحياة.
• مزاياك: أنت مقتنع بأن سلوكك وموقفك يؤديان دوراً كبيراً ومهماً في حياتك. تستطيع أن تحدد ما يشعل حماستك ويؤججها وما تعتبره الأكثر أهمية في حياتك. كذلك تنجح في رسم أهدافك بوضوح ودقة. بالإضافة إلى ذلك، لا تسمح لأي أمر بأن يلهيك أو يخدعك ويجعلك تنجرف بعيداً عن الدرب الذي تسير فيه. كذلك تكره الجلوس مكتوف اليدين من دون أي عمل أو هدف. لا شك في أنك تصادف في حياتك تطورات سلبية على غرار الناس أجمعين. لذلك من المنافي للمنطق إنكار تطورات مماثلة. لكنك لا تكف في المقابل عن التساؤل: «ماذا يمكنني أن أفعل لأتخطى هذه الصعاب؟». باختصار، تجيد الاعتماد على نفسك وعلى تصميمك.• ما عليك العمل على تحسينه: تعتمد على أشخاص يمكنهم مساعدتك ويقدمون لك الدعم. ولكن كي تنجح في دخول الدوامة الإيجابية، التي تساعدك على تبني نظرة إيجابية إلى الحياة، من الضروري أن تتمكن من تمييز الدائرة الإيجابية التي تعود عليك بالفائدة. يوضح علماء النفس: «تخيل أن ثمة دائرة تفاؤل ناشطة توزع موجاتها الإيجابية. فإن دخلت دائرة مماثلة، تعزز هذه الأخيرة قدرتك على التحلي بالتفاؤل. فقد صرنا ندرك اليوم أن التفاؤل يشكّل طاقة إيجابية تنبع من علاقاتك بالآخرين».نتيجة لذلك، يقترح بعض علماء النفس إجراء عملية ترتيب وتصحيح لعلاقاتك. ابدأ بتحديد العلاقات التي تستنفد طاقتك، ثم انتقل إلى تلك التي لا تؤثر فيك لا سلباً ولا إيجاباً، واعمل أخيراً على العلاقات التي تمدك بالطاقة وتعزز سعادتك وثقتك بالنفس. لا بد من أنك تدرك ضرورة التخلي عن الفئة الأولى من هذه العلاقات. لكن العمل على تحديدها يسمح لك برؤيتها بوضوح والابتعاد عنها، وخصوصاً أن تأثير هذه العلاقات غالباً ما يكون مباشراً. أما الفئة الأخيرة، فمن الضروري أن تسعى للحفاظ عليها، وأن تعرب عن سعادتك بها وتقديرك لها لأن هذا التفاعل الإيجابي يسرّع عملية انتشار التفاؤل في محيطك.يرتبط التفاؤل بنظرتنا إلى الأحداث وإلى أنفسنا، حتى خلال الصعاب، إلا أنه لا يدفعنا إلى إنكار الواقع.
أسئلة أجاب عنها الباحث والمحاضر البارز شون أشور
هل يُعتبر بعض الأشخاص ميالين بطبيعتهم إلى التفاؤل؟لا شك في أن البعض أكثر ميلاً بطبيعتهم إلى التفاؤل. وتُشكّل السعادة بالنسبة إلى هؤلاء خياراً أكثر سهولة. لكن الأبحاث أظهرت أن هذه المسألة لا تتوقف على الجينات والوراثة فحسب. ففي التوائم الحقيقية التي تتمتع بإرث جيني متطابق، أكّدت الدراسات أن تعرض أحد التوأمين لصدمة قوية قد يبدّل نظرته إلى الحياة تبديلاً جذرياً. فيصبح التفاوت جلياً بين التوأمين رغم جيناتهما المتشابهة. إذاً، إن كانت الصدمة قادرة على تغيير نظرة الإنسان إلى الحياة، فبإمكان عادة إيجابية أن تبدلها في الاتجاه المعاكس. نعم، تشكّل الجينات الأساس، إلا أننا نستطيع دوماً تبديل هذا الأساس ودفعه نحو التفاؤل والإيجابية، بغض النظر عن عمر الإنسان. لذلك، من الضروري أن نفهم جيداً أن التغيير ممكن دوماً.ما العقبات الرئيسة التي تعترض طريقنا نحو التفاؤل؟
تشكّل المعتقدات الخاطئة أولى هذه العقبات. يعتقد الناس عموماً أن الإنسان المتفائل لا يأخذ الواقع في الاعتبار. لكن هذا ليس صحيحاً مطلقاً. فعندما نعرب عن تفاؤل «منطقي»، لا نكتفي بأخذ الواقع في الاعتبار، بل نرى أيضاً هذا الواقع على حقيقته من دون أي استخفاف أو مبالغة. أما العقبة الثانية، فهي قلة الصبر. لا يتحلى البعض بصبر كافٍ لبلوغ التفاؤل. ولا شك في أن الهدم أكثر سهولة وسرعة، مقارنة بالبناء. لذلك، يستغرق بناء عالم إيجابي الكثير من الوقت والصبر.إن كانت غالبية الأجوبة ت:
تبرع في استغلال الطاقة الإيجابية.
• مزاياك: تشعر أنك أكثر قدرة على مواجهة التحديات بمفردك، بدل الاعتماد على المحيطين بك وطلب مساعدتهم. لكنك تتمتع بحدس جيد يتيح لك تحديد مَن يستطيع مساعدتك في محيطك، مَن يعزز طاقتك، ومَن يقدّرك حق قدرك. بالإضافة إلى ذلك، تنجح في تحويل علاقاتك إلى دائرة إيجابية تسمح لك بالعطاء كما الأخذ.• ما عليك العمل على تحسينه: عزز قدرتك على التكيّف. يشير علماء النفس: «حسّن رؤيتك. فتشكّل هذه نقطة الانطلاق لاختيار التفاؤل. ندرك جيداً أن مَن يشعرون بالقلق يقعون فريسة التشاؤم. فهم يكوّنون دوماً صورة سلبية عما يخبئه المستقبل. إلا أننا نستطيع تبديل نظرة الإنسان القلق بالعمل على طريقة تفكيره. تتسلل مشاعرنا إلى أفكارنا وتؤثر فيها، إلا أن العكس صحيح أيضاً. فتنعكس أفكارنا على مشاعرنا وتصوغها. لذلك، تقضي الخطوة الأساسية الأولى في الدرب نحو التفاؤل بتغيير نظرتك ورؤية المسائل من وجهات نظر مختلفة. ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ من الضروري أن تتفادى تعميم الأوجه السلبية لوضع معين. لذلك تجنب عبارات مثل «يحدث هذا معي دوماً...» أو «لا يحدث هذا إلا معي...». إذاً، يؤثر الشكل في المضمون. وهكذا تمنعنا الكلمات السلبية، الصلبة، والحاسمة من رؤية أن لكل مشكلة حلولاً عدة. نتيجة لذلك، يكون من الأفضل أن تقول «لم أتوصل بعد إلى حل هذه المسألة» بدل «لن أتمكن مطلقاً من حل هذه المسألة». وهكذا، عندما تبدّل الشكل، يبحث الدماغ عن سبل حل جديدة ومبتكرة. نتيجة لذلك، تميل تدريجاً إلى التفاؤل. صحيح أن هذه العملية تسير ببطء، إلا أن تأثيرها يكون كبيراً وعميقاً، شرط أن تؤمن بأن التغيير الجذري ممكن وفي متناول يدك.هل يدفعنا التفاؤل إلى التشكيك في المسائل؟أعتبر أن التشكيك في بعض المسائل ضروري ومهم. ولكن يجب ألا يؤثر هذا الشك في قدرتنا على تمييز الحلول، بناء السعادة، والنظر إلى الحياة بتفاؤل. على العكس، يجب أن نستغل التشكيك كي نقيّم الأوجه الإيجابية في كل مسألة من دون أن نغالي في ذلك. ولكن إن منعنا التشكيكُ من العمل بشكل صحيح وفاعل، نتحول عندئذٍ إلى متشائمين.