صمت عمران أبكى العالم
طفل صامت يحدق في الفراغ داخل سيارة إسعاف، ثم يرفع يده ويلمس جبهته الدامية ثم ينظر إلى يده ويمسحها على المقعد، قد يبدو لك عندما تشاهده أنه مصدوم وغائب عن الوعي، وربما تراه قوياً ومتماسكاً، ولكن في كل الحالات منظره يدمي القلب ويلهب الوجدان بمشاعر فياضة تتعاطف معه ومع أمثاله الذين اغتال المجرمون طفولتهم، وسلبوا براءتهم على مدار سنوات في ظل صمت مريب من العالم الذي يتباكى فقط دون أن يفعل شيئاً رغم أنه بمقدوره الكثير.هذا المشهد المأساوي الذي ظهر فيه الطفل السوري عمران أثناء انتشاله من بين الركام ومن قبله مشهد الطفل إيلان الذي مات غرقاً وقذفته الأمواج إلى أحد الشواطئ التركية يجسدان حجم المعاناة التي يعيشها السوريون، ويظهران في الوقت ذاته عجز الحكام والشعوب ليس في عالمنا العربي فحسب، إنما أيضاً في العالم المتقدم الذي بيديه مفاتيح الحل والربط، ولكن يبدو أن قادته تعلموا منا الرد على هذه المآسي ببيانات الإدانة والشجب والتنديد التي لا تغني ولا تسمن من جوع، أما الشعوب فلا حول لها ولا قوة سوى أن تلجأ إلى سلاح الدعاء إلى المولى عز وجل.
لقد طال أمد الحرب وتحول السوريون إلى مجرد أرقام ما بين قتلى ومصابين ونازحين ومشردين، ولا تظهر في الأفق القريب حلول لوقف شلالات الدماء التي تتدفق يومياً ويروح أغلب ضحاياها من الأطفال الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الذي تحول إلى حرب بالوكالة، ودخلت فيه الكثير من الأطراف التي تريد تصفية حساباتها على حساب الشعب السوري، وخصوصاً الأطفال الذين يتعرضون للقتل والتعذيب، والزج بهم في معسكرات التنظيمات الإرهابية، وتعليمهم أساليب إجرامية، كما يتم توجيههم للقيام بعمليات تفجيرية وتوقيفهم عن التعليم وتشغيلهم في مهن في غاية الصعوبة، تحتاج جهدا بدنيا ضخما، كذلك توجه جانب آخر من الأطفال إلى التسول بحثاً عن الغذاء والكساء لهم ولعائلاتهم.ولا تختلف حالة الأطفال السوريين اللاجئين، فالعائلات التي فرت من نار الحرب في بلادها بحثاً عن ملاذ آمن لا يتحقق للكثير منها مرادها بتوفير حياة مستقرة لأطفالها حتى يعيشوا بشكل طبيعي مثل سائر أقرانهم، وتضطر الكثير من هذه العائلات للسماح لأولادها وبناتها بالعمل في وظائف شاقة تؤثر في تكوينهم النفسي ونموهم البدني حتى تحصل على مصادر دخل، ولو كانت بسيطة لتلبية احتياجاتها الأساسية، وهذا ما كشف عنه آخر تقرير لمنظمتي «يونيسيف» و»إنقاذ الطفولة» عن أن المزيد من الأطفال بين اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان يضطرون للعمل في المقالع والمخابز وصناعة الأحذية لإعالة أسرهم مما يعرضهم لمخاطر كبيرة. ورغم كل المآسي التي يواجهها الشعب السوري رجالا ونساء فإن الأطفال يظلون هم الضحية الأولى والكبرى للحرب، ففي الوقت الذي يعيش فيه أغلب أطفال العالم حياة طبيعية يتعلمون ويلهون ويستمتعون بوسائل التكنولوجيا الحديثة ينام أطفال سورية ويستيقظون على أصوات القنابل والانفجارات التي لن يمحوها الزمان من ذاكرتهم.