بعد سنوات من الركود الاقتصادي والإقراض المثير للشكوك تراكمت الديون المعدومة في البنوك الإيطالية، وتصل القيمة الإجمالية للقروض عديمة الأداء إلى نحو 360 مليار يورو (406 مليارات دولار) أو ما يقارب خُمس الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي، وقد جرت ترتيبات للقيام بعمليات إصلاح وإنقاذ سريعة للجهات المقرضة، وخاصة "مونتي دي باسكي دي سينا"، ثالث أكبر جهة مقرضة، في شهر يوليو الماضي، ولكن ما الذي يمكن عمله بالنسبة إلى الأعداد الهائلة من القروض التي تراكمت على نطاق واسع في ذلك البلد؟

وقد اقترح صندوق النقد الدولي إنشاء سوق قوية وراسخة للقروض عديمة الأداء من أجل تمكين الاختصاصيين في ميدان الديون المتعثرة من معالجة أعباء تلك الديون، ومن ثم تحرير البنوك الإيطالية المتضررة لتتمكن من توفير كميات إضافية من الائتمان لخدمة الاقتصاد الحقيقي، ولكن على الرغم من أن سوق الديون المعدومة بدأ بالتقدم في إيطاليا- مع زيادة ملحوظة في أحجامها بصورة ثابتة لتصل الى 22 مليار يورو حتى الوقت الراهن في هذه السنة- فإن العوائق الهيكلية تعني أن مثل تلك الأسواق قد تكون أقل نجاحاً في ذلك البلد مما هي عليه في دول أوروبية أخرى.

Ad

وتجدر الإشارة الى أن مستثمري الديون المتعثرة يميلون الى شراء القروض بكميات كبيرة، وبالتالي فإنهم يفضلون القروض التي يسهل استردادها بضمانات ملموسة، كما أن القروض عديمة الأداء في البنوك المتضررة في بريطانيا وأيرلندا وإسبانيا خلال السنوات القليلة الماضية كانت بصورة كبيرة في ميدان الرهونات العقارية التي تدعمها الممتلكات، والتي يمكن تقييمها عن طريق الأسعار الحالية للعقارات. وإضافة الى ذلك تشتهر المحاكم االبريطانية بكفاءة وفعالية الى حد كبير في التعامل مع المطالب المتعلقة بالضمان الجماعي.

وعلى العكس من ذلك فإن القروض عديمة الأداء هي من النوع الذي لا يمكن ضمانه، وهي تقدم إلى شركات صغيرة أو الى مستهلكين، حتى عندما يتم التعهد بتقديم ضمانات جماعية فإن المحاكم في إيطاليا تكون بطيئة بشكل كبير وبقدر يفوق ما هي عليه الحال في أماكن أخرى بالنسبة إلى استعادتها وتحصيلها.

ولعل الجانب الأكثر أهمية أن إسبانيا وأيرلندا عمدتا الى تشكيل ما يطلق عليه اسم البنوك المعدومة قبل عدة سنوات، وقد استخدمتا أوعية من الأموال العامة من أجل شراء القروض عديمة الأداء من ميزانيات بنوك ثم بيعها بصورة تدريجية، وخلقتا بذلك ما يكفي من حجم عمليات وصفقات لسوق نشيطة مفعمة بالحياة، وعلى أي حال فإن القوانين المتشددة في الآونة الأخيرة في القارة الأوروبية منعت إيطاليا من القيام بخطوة مماثلة. انظر الرسم البياني.

ويمكن طبعاً أن تظل القروض الإيطالية عديمة الأداء ذات استثمارات جذابة إذا كانت الأسعار متدنية بما فيه الكفاية، ولكن الفجوة بين تقييمات البنوك والمستثمرين تثير المتاعب، ولم تقبل البنوك خفض قروضها الى أقل من 40 في المئة من قيمتها الدفترية، في حين قد يرغب المستثمرون في دفع ما يصل إلى 20 في المئة فقط، ومن شأن ذلك أن يجعل البنوك الإيطالية أقل رغبة في البيع لأن ذلك سيرغمها على التعرض الى ضربة قاسية وكبيرة في احتياطيها الضعيف في الأساس في رأس المال عند بيع القروض المتعثرة.

وقد علقت الحكومة الإيطالية التي منعت من تأسيس بنك للقروض المعدومة آمالها على تأمين القروض عديمة الأداء ووضعت خطة ضمان تدعى "غاكس" من أجل شرائح رفيعة من القروض عديمة الأداء المدعومة بالأسهم. ويرى جوش أندرسون من هيئة بيمكو لإدارة الأصول أن العمليات ذات الهيكلية الجيدة يمكن أن تسمح للقروض عديمة الأداء بالتحول من ميزانيات البنوك الى نوع أقرب في القيمة الدفترية الحالية.

وعلى أي حال فإن من المبكر جداً الوثوق بهذه الخطوة، ولم يتم بعد اختبار خطة "غاكس" وهي تشتمل على العديد من القيود والعوائق، كما أن التدفقات النقدية من القروض عديمة الأداء قد تكون متقلبة، ولا يمكن التكهن بها إلى حد كبير، بحيث يصعب أن تروق للمستثمرين، بحسب ديفيد إدموندز من ديلويت، وهي شركة محاسبة، ويوجد عدد قليل فقط من السوابق المتعلقة بتأمين القروض عديمة الأداء سواء في إيطاليا أو في الخارج من أجل توفير دليل إرشادي مفيد.

وفي ضوء تردد المستثمرين إزاء ضخ أموال جديدة أو دفعها فإن العمليات التي تمكن البنوك من زيادة رأس مالها الاحتياطي عن طريق بيع أصول قد توفر البديل اللازم، وتجدر الإشارة إلى أن لدى المستثمرين في الديون المتعثرة أذرعهم أيضاً عبر شركات أسهم خاصة، وقد عرضوا شراء شركات من البنوك بغية التعويض عن رأس المال الذي تضرر من مبيعات القروض المعدومة. وقد اشترت إحدى الشركات وتدعى أبولوغ لوبال مانغمنت في الآونة الأخيرة قسم التأمين في بانكا كاريج، وهي شركة إقراض إقليمية إيطالية. كما أن وحدات خدمة القروض تعتبر أهدافاً مغرية وجذابة.

وتعتبر الأساليب الجديدة واعدة بالنسبة إلى البنوك وإلى الشركات المقترضة المتعثرة معاً، وقد أطلقت "كي كي آر" وهي شركة أسهم خاصة كبيرة منصة تدعى بيلارستون في فصل الخريف الماضي، وهي تجمع بين حل القروض عديمة الأداء وبين إعادة هيكلة الشركات، وتسعى هذه المنصة إلى السيطرة على الشركات المتعثرة المثقلة بالديون وتحويلها الى شركة رأس مال جديدة عبر "كي كي آر". والجانب الجديد في هذه العملية هو أنه يمكن من إدارة قروض البنوك لتلك الشركات وتحقيق إعادة دفعات وإعطاء البنوك جزءا من أي أرباح يتم تحصيلها أيضاً.

وقد أعلنت شركة هيغ بيسايد المتخصصة في الديون المتعثرة في الآونة الأخيرة تأسيس صندوق بمبلغ 260 مليون يورو من أجل إعادة هيكلة الشركات المثقلة بالقروض، والسماح للبنوك ببيع تلك القروض عند القيمة الدفترية الحالية في مقابل الحصول على حصة في ذلك الصندوق. ومن شأن ذلك أن يسهم في تحسين رأس مال البنوك وتنويع مصادر دخلها.