خَتَم «السياسية»...
لإثبات مصداقيتنا يجب علينا، بين الحين والآخر، التخفيف قليلاً من حدة وكمية تذمرنا و"تحلطمنا" على الأوضاع السياسية والسياسيين في البلد، وإذا ما رأينا ما يدعو للمدح وما هو جدير بالإشادة أو الإطراء فعلينا ألا نبخل به على من يستحقه، وشيخ المستحقين اليوم، بلا منازع، هو معالي وزير الصحة المحترم، حفظه الله لنا وللكويت ولجميع المرضى والمتمارضين والمرافقين، خاصة الذين يدعون لمعاليه في كل ليلة من مكان مختلف، لكنهم للأسف ينسونه صباحاً هو وأفضاله عليهم مع حالة الصداع والغثيان العابر التي تصيبهم. قصة صعود معالي الوزير الموقر تروي أنماطاً من الكفاح والنضال والعمل الدؤوب، لا أظن سبقه أو يستطيع أن يسبقه إليها أحد في التاريخ الكويتي المعاصر، فمعالي الوزير الدكتور الموقر، حفظه الله ورعاه، غطى وفاض بأفعاله ومواقفه على تاريخ زميليه الدكتورين أحمد الخطيب وعبدالرحمن العوضي، أطال الله في أعمارهما، فلا هو بالمعارض على طول الخط، ولا هو بالموالي إلى الأبد، قليلاً من هنا وقليلاً من هناك، والرازق بالسما والحاسد بالإنعاش، فلا يُنسى لمعاليه، حفظه الله، أنه كان أحد الرجال المعدودين حين نادى المنادي بعد الرجال، فانبرى دفاعاً عن مبادئه الراسخة رافضاً "النهج السلطوي" والصوت الواحد، وفي حين توزع رفاقه بعدها بين السجون والمنافي الاختيارية وسحب الجنسيات وُفِّق معاليه بإعادة توزيره، كأن شيئاً لم يكن، وهذا في حد ذاته درس عملي آخر من معاليه للمتصلبين العنيدين ممن لا يؤمنون بالاجتهاد والمرونة والمقاربة والتسديد وحُسن التدبير والإدبار في العمل السياسي، مع ضرورة توافر الحظ ودعاء الوالدين كداعم رئيسي.
وبعد توليه الوزارة بدأ رحلة نجاحه الكبرى المستمرة معنا حتى اليوم، فرغم أنه وزير للصحة فقط فإن مساهماته في التنمية الوطنية و"الذاتية" وإنعاش الاقتصاد الكويتي، وخصوصاً قطاعات الطيران والنفط والشركات الطبية، مشهودة، فـ"بخطأ شريف" منه وبحنكته المعهودة مَكَّنَ معاليه الحكومة من رفع الدعم عن البنزين، لتسدد بالفارق مصاريف نصف الشعب الذي أرسله معاليه للعلاج الصحي والنفسي بالخارج، وهو بعمله هذا قد عزز التآزر والتعاضد الاجتماعي كذلك، فقد أصبح الشعب يطبق شعار "ادفع بنزينك تنقذ مريضك" المستلهم من مآثر معاليه، أما سياسياً فلم يقصر معاليه أيضاً إذ أثبت حرصه على التضامن الحكومي والنيابي الذي أنقذه من استجواب أعداء الشجرة المثمرة، ويكفي معاليه فخراً أنه في سبيل الحفاظ على هذا التعاون الوزاري قد قضى على القمل من رؤوس الناس، تمهيداً للموسى التي يسنّها لنا زميله بالحكومة والنضال السلبي معالي وزير المالية المحترم، حفظهما الله لنا ولرؤوسنا ولأجيالنا القادمة ذخراً.