ما نقدمه للبشرية من مساهمة علمية وثقافية هو الإسهام الحقيقي الذي يبقى في رصيدنا المعرفي، سواء كان محليا أم عالميا، وحين تتاح لمجتمعنا فرص الإبداع والخروج من السلطة المعرفية القمعية إلى الانفتاح على العلم بطريقة تفكير تسمح للعقل العربي بحرية البحث، فلن يختلف العقل البشري العربي عن العقل الآخر، وليس من المنطق أن يكون أقل كفاءة منه.ما ينقصنا حقيقة هو طرق التفكير التي اعتمدت على مبدأ الحفظ والتلقين لا السؤال والتفكير. وبعد ما يقارب القرن من التنوير اكتشفنا أننا أكثر مساهمة في التدمير، مقارنة بمساهمتنا في التعمير. وحتى اليوم نجد هناك الكثير ممن يرفض الآخر ويعتبره هو الطرف الذي ساهم في تغريبنا واستعمرنا بعلومه، رغم اعترافنا الضمني بأننا لن نتخلص ولن نستطيع العيش من دون منتج هذه العلوم الذي نستهلكه.
عانت اليابان من قسوة لم تمارس على أمة غيرها، فلم تُنسف مدن بالقنابل النووية كما حصل في هيروشيما ونجازاكي، ولم يحدث أن قتل هذا العدد وشوه أكثر منه بضربتين أدتا إلى استسلام اليابان. ولكن اليابان أدركت أنها من دون سلاح العلم الذي أدى إلى استسلامها لن تتطور، ولن تكون القوة الصناعية التى هي عليها اليوم. ولو لجأت إلى غير ذلك لما كان بإمكانها أن تكون القطب الثاني للصناعة العالمية.ما يحدث عندنا هو العكس، هو خصومة شديدة بيننا وبين الفكر الآخر الذي نراه يحاول طمس هويتنا وثقافتنا، وهي الثقافة التي أدت إلى هروب العقول العربية نحو تلك الثقافة التي رفضناها. في أحد الأيام هاجر ثلاثة رجال من عالمنا العربي إلى أفغانستان، وهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وسلمان بن غيث، ليشكلوا فريق الحرب الدينية على الغرب وأميركا بالتحديد. وساهم هؤلاء الرجال في جر الأمة إلى كل هذا الخراب الذي تعيشه. وكان أتباع هؤلاء الرجال أعدادا لا حصر لها نراها اليوم تتبنى أسماء مختلفة، ولكنها تتشابه في طريق التفكير.وسنقارن بثلاثة رجال آخرين هاجروا إلى أميركا أيضا، وهم العالم الجيولوجي د. فاروق الباز، الذي ساهم في وكالة ناسا الأميركية بتحديد موقع هبوط سفينة الفضاء على سطح القمر، وتدريب رواد الفضاء على اختيار عينات الصخور لفحصها على الأرض. والثاني هو العالم د. أحمد زويل الذي ساهم في بحث التفاعلات الكيميائية في ما يسمى بكيمياء الفيمتو، والذي نال عن أبحاثه جائزة نوبل عام 1999، أما الثالث فهو د. مهدي صالح حنتوش صاحب تظرية حركة المياه الجوفية، وأهم علماء موارد المياه في العالم، والذي لم تترجم أبحاثه العديدة التي كتبها باللغة الإنكليزية، لأننا لسنا بحاجة إليها. جميع هؤلاء العلماء عادوا إلى بلادهم للمساهمة في تطويرها، وعانوا ما عانوه من اليأس والإحباط في مواجهة فكر لا يريد أن يتطور.المقارنة بين أتباع الفريقين الأول والثاني توضح لنا مستوى الأزمة الفكرية والعلمية التي نعيشها، وتطلعنا على الطريق التى تسير إليها أمتنا المجيدة التي تفتخر بتاريخها العلمي وتراثها العظيم، ولكنها لا تعترف بأنها تحاربه. لسنا بحاجة إلى معجزة كما يتصور البعض لكي نعود، كل ما نحتاج إليه هو رفع القيد المفروض على عقولنا، والاعتراف بأن طريقة الكتاتيب التي تلقنا بها المعرفة لم تعد منتجة. نحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالفشل وشجاعة أن نبدأ من جديد. فمن يعلّق الجرس؟ مازال هنالك أمل.
توابل - مزاج
من يعلق الجرس
28-08-2016