لا يوجد مجتمع بشري ليس فيه صراع، فالمجتمعات البشرية مكونة من شرائح وفئات وطبقات اجتماعية لكل منها مصالحها التي تدافع عنها، وكلما كان الصراع المجتمعي ضمن قنوات طبيعية، وقواعد عامة متينة، وأسس متوافق عليها وطنياً، كان صراعا مفيداً ينتج عنه تطوير المجتمع، والعكس صحيح.

والمتابع الموضوعي لشأننا المحلي في السنوات القليلة الماضية، سيلاحظ أن الصراع الاجتماعي-السياسي الداخلي قد خرج، أو بالأحرى أُخرج، عن قنواته الطبيعية التي حددها الدستور، مما ساهم في زيادة الفوضى السياسية وتراجعنا الديمقراطي، وانخفاض سقف الحريات العامة وتكافؤ الفرص بعد نصف قرن من إصدار الدستور الذي ينص على تعديله بعد خمسة أعوام لمزيد من الحرية والمساواة.

Ad

ويزداد الطين بلة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المعادلة السياسية المعمول بها حالياً والتي يطالب البعض، عن حسن نية، بالانضمام إليها والعمل من خلالها هي معادلة سياسية عقيمة لا تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة السياسية وإضاعة الوقت والجهد والمال العام، ولن ينتج عنها، كما سبق أن ذكرنا، أي تطوير حقيقي لنظامنا الديمقراطي. أضف إلى ذلك أن القنوات السياسية التي توفرها هذه المعادلة السياسية، في أفضل أحوالها، لا تتعدى حصر النشاط السياسي والعام في مجلس الأمة الذي يتم انتخاب أعضائه في الوقت الحاضر من خلال نظام انتخابي مشوّه، وواقع سياسي أكثر تشويهاً تسيطر عليه، نتيجة أسباب كثيرة سبق أن تطرقنا لها، جماعات رجعية وطائفية وعنصرية تعادي الحريات والقيم المدنية والديمقراطية، وتعمل بكل ما تستطيع من قوة ونفوذ للوصول إلى سلطة القرار كي تتمكن من عرقلة تطورنا الديمقراطي والعودة بمجتمعنا قروناً للوراء.

ولكي نخرج من حالة الدوران في الحلقة المفرغة التي أرهقت الناس والوطن، ونجعل الصراع الاجتماعي-السياسي يعود إلى قنواته الدستورية الطبيعية فيكون صراعاً مفيداً للناس والمجتمع والدولة، فإنه ينبغي تغيير المعادلة السياسية المعمول بها حالياً من خلال الإصلاح السياسي –الديمقراطي، وذلك بالاعتراف بالأخطاء السابقة، ثم العمل على معالجتها، وذلك عن طريق إصلاح الإدارة العامة للدولة ومحاربة الفساد السياسي المؤسسي، وتنظيم العمل السياسي كي تعرف الدولة ماهية التنظيمات السياسية ومصادر تمويلها، ثم توسيع قاعدة المشاركة السياسية التي لا يمكن أن تتحقق من دون إطلاق الحريات العامة كما ينص الدستور، ووجود نظام انتخابي عادل، وهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات العامة والإشراف عليها، فضلا عن ضرورة استقلالية السلطة القضائية مالياً وإدارياً كي تتمكن من القيام بدورها كاملاً باعتبارها سلطة مستقلة ومفصولة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.