الأمينة العامة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر أمل الصبان:
الثقافة مرايا الأوطان ولا غنى لبلدي عن عمقيها العربي والإفريقي
أكدت الدكتورة أمل الصبان، الأمينة العامة للمجلس الأعلى للثقافة المصري، أن الثقافة من أبرز القوى الناعمة التي بمقدورها تحقيق أهداف استراتيجية على المديين القريب والبعيد، مشيرة إلى أن قضايا الهوية والانتماء تأتي في مقدمة الأولويات، ومشددة على حاجة مصر الملحة إلى عمقيها العربي والإفريقي.
وقالت الصبان في حوار مع «الجريدة»، إن قضية الدين وثيقة الصلة بالثقافة، فالدين عامل أساسي في تشكيل ثقافتنا وهويتنا وانتماءاتنا، ولا يمكن إغفال هذا الدور، لذا من الضروري الاهتمام بتجديد الخطاب الديني، باعتباره ركناً أساسياً من أركان تجديد الخطاب الثقافي الذي يطمح إليه الجميع. وأوضحت أن ثمة توجهاً عاماً للوصول بالثقافة إلى «الأطراف» لمجابهة الأفكار المتشددة في هذه البيئات المهيئة للتطرف والعنف... وإلى نص الحوار:
وقالت الصبان في حوار مع «الجريدة»، إن قضية الدين وثيقة الصلة بالثقافة، فالدين عامل أساسي في تشكيل ثقافتنا وهويتنا وانتماءاتنا، ولا يمكن إغفال هذا الدور، لذا من الضروري الاهتمام بتجديد الخطاب الديني، باعتباره ركناً أساسياً من أركان تجديد الخطاب الثقافي الذي يطمح إليه الجميع. وأوضحت أن ثمة توجهاً عاماً للوصول بالثقافة إلى «الأطراف» لمجابهة الأفكار المتشددة في هذه البيئات المهيئة للتطرف والعنف... وإلى نص الحوار:
ما دور المجلس الأعلى للثقافة المصري في توطيد الترابط الثقافي بين مصر وعمقها العربي والإفريقي؟ من المعروف أن الثقافة قوة ناعمة ومؤثرة للغاية. مثلاً، عندما يغني فريقان من شعبين مختلفين مع بعضهما بعضاً، يحدث نوع من التفاعل والتناغم بينهما، ومن هنا تقوى ثقافة التعددية وقبول الآخر. الثقافة في تصوري أقوى من رابطة الاقتصاد أو السلاح أو غيرهما، وأعتقد أن العلاقات الثقافية هي القوى الناعمة التي يمكن أن تغزو بها أي مكان وتصل بها إلى أي هدف استراتيجي، من ثم فإن مقدمة العلاقات الوطيدة بين الدول والشعوب يجب أن تبدأ من منطلق الثقافة. ومن منطلق حاجة مصر الملحة إلى عمقها العربي والإفريقي، عقدنا هذا العام مؤتمراً حول إفريقيا حضره عدد كبير من المفكرين والمثقفين العرب والأفارقة، كذلك أقمنا مؤتمرات وفعاليات شاركت فيها دول عربية عدة، وسننظم خلال الفترة المقبلة مؤتمراً دولياً على مستوى أكبر عن «العلاقات مع إفريقيا» برئاسة حلمي شعراوي، خبير الشؤون الإفريقية ومؤسس مركز البحوث العربية والإفريقية، بما له من باع طويل في العلاقات الثقافية مع دول القارة السمراء.
كذلك دعونا البرلمان الإفريقي إلى عقد دورته المقبلة في مدينة شرم الشيخ خلال أكتوبر المقبل، بمشاركة الدول العربية، وهي فرصة للتعرف عن قرب إلى ثقافة مصر، وإلى تراثها وتنوعها الثقافي، فضلاً عن الأمان الداخلي، ذلك بهدف نقل صورة مصر الحقيقية إلى الخارج ودحض أي نظرة مشوهة إليها من الخارج، بسبب الفهم الخاطئ وعدم القراءة الدقيقة لما يجري في مصر، ويتطلّب ذلك جهداً إعلامياً وثقافياً مكثفاً، وهو ما نبذله راهناً. هل ثمة توجّه للوصول بالثقافة إلى سكان الأطراف؟ يدرك وزير الثقافة حلمي النمنم هذه النقطة جيداً، وهو مهتم بصورة كبيرة بقصور الثقافة، وضرورة الوصول بالثقافة إلى سكان «الأطراف». فمنطقة المركز في أية دولة تستحوذ دائماً على معظم الاهتمام سواء الخدمات الثقافية وغيرها، في حين تبقى الأطراف مهملة. لكن في الحقيقة أصبح هذا الأمر مزعجاً، لأنه في ظل الظروف التي تمرّ بها مصر، وظهور الأفكار المتطرفة في تلك المناطق المحرومة من الخدمات، باعتبارها بيئة مهيّئة للتطرف والعنف، بدأ توجه الدولة بجميع قطاعاتها، ومن ضمنها هيئة قصور الثقافة، إلى تلك المناطق للاهتمام بساكنيها من النواحي الثقافية والتعليمية والصحية، باعتبارهم خط الدفاع الأول عن مقدرات الدولة. أثبتت تجربة الحديقة الثقافية نجاحها، هل ثمة نية لتعميمها؟ نجحت هذه التجربة فعلاً، ولدينا اتفاقيات مع جامعات عدة لإجراء ورش تدريب وفعاليات ثقافية تتولى تمويلها الهيئة الكاثوليكية. وثمة تجارب مماثلة للحديقة الثقافية في جميع المحافظات. في هذه المناسبة، أرى أنه يجب أن نخرج عن فكرة المركزية، فلا يصحّ أن يدير أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وهو في القاهرة احتفالية ثقافية في أسوان. والدليل أن في أوروبا مثلاً لا مكان للمركزية، فكل بلدية تكون هي المسؤولة عن الجوانب الثقافية في نطاقها، وتتعاون مع بعضها البعض على نطاق أكبر في إطار من التنسيق والتعاون. أتمنى تنفيذ هذه التجربة في مصر.
تجاهل... وميزانية
في ظلّ الاهتمام بالشباب ثمة شكاوى من تجاهل إبداعاتهم في مجالات النشر والفرق الموسيقية، ما ردك على ذلك؟نبذل مجهوداً كبيراً. ولكن في ظل ما تمرّ به مصر منذ 2011 من ظروف سياسية واقتصادية، فضلاً عن ضعف الميزانيات والموارد، كان من الطبيعي أن يتعثّر بعض النشاطات، ولك أن تعلم أن الثقافة في مصر ما زالت بمنزلة خدمة تقدّم للمواطن، وتتحمّل الدولة تكاليفها، من دون أية موارد تدخل خزانة الوزارة. لكن بعد استقرار الحال إلى حد كبير ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية، أتوقع أن تعود الأمور إلى نصابها، ونحن في المجلس لدينا خطة سننفذها خلال الفترة المقبلة للاهتمام بصورة أكبر بالفرق والنشر. لماذا لم تشهد ميزانية الثقافة أي زيادة؟ أعتقد أنه في ظل الزيادة السكانية الرهيبة في مصر لا يمكن تحقيق العدالة الثقافية، فضلاً عن أن زيادة الميزانية لن تؤثر بشكل كبير في وصول الثقافة إلى نحو 100 مليون مصري، إلا بالبحث عن آليات تجعل هذا القطاع يخضع لفلسفة التنمية المستدامة، فتغطي موارده النفقات من دون النظر إلى ميزانية الدولة. عموماً، لا يوجد بلد في العالم يستطيع الإنفاق على قطاع معين من دون مشروعات بمقدورها أن تنفق على القطاع أو على الأقل تغطي جزءاً من هذه النفقات، من ثم الوصول إلى عدد أكبر من المواطنين. لماذا تجاهلت الوزارة في أجندتها قضية تجديد الخطاب الديني، رغم تأكيد الرئيس عليها؟ أثرنا تلك القضيّة في الملتقى الثقافي الدولي، كقضيّة وثيقة بالثقافة، فالدين جزء من تشكيل ثقافتنا، لذا كان تجديد الخطاب الديني ركناً أساسياً من تجديد الخطاب الثقافي الذي هدف له الملتقى، وشكّل جزءاً من توصياته. فضلاً عن ذلك، هذا الأمر مُثار في الوسط الثقافي، وتحدّث فيه كل من الكاتب الكبير يوسف القعيد، والناقد الدكتور صلاح فضل. لماذا فشلت مصر في توثيق فن الأراجوز ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، في حين نجحت قطر في توثيق فن القهوة العربي؟ لدينا ضمن التراث غير المادي المسجّل فن السيرة الهلاليّة فحسب، لكن ملف فن الأراجوز كان ينقصه بعض الأمور لننجح في تسجيله، ويجري راهناً إعداد لجنة عليا لشؤون التراث تُعنى بتحضير ملف فن التحطيب، الذي سنقدمه في اجتماع اليونسكو المقبل في سبتمبر المقبل بأديس أبابا، لتسجيله ضمن التراث غير المادي، كذلك نعمل على إعداد مرصد لتجميع التراث، يهتم بالبحث وجمع التراث الشعبي والثقافي، لحفظه وتسجيله.«عام الشباب»
يعكف المجلس الأعلى للثقافة على إعداد برامج تختص بتنمية الفرد ورفع كفاءته، ويجري التحضير لبرنامجين راهناً، الأول بعنوان «أتدرب وأتطوّع»، وهو يختص بتدريب الشباب في مجالات عدّة، لتأتي بعد ذلك مرحلة تطوّع الشباب الذين تم تدريبهم لتدريب آخرين. أما البرنامج الآخر «هتعمل إيه في الصيف»، فينظم ورش كتابة قصصيّة، وشعريّة. يشار إلى أن «الصبان» تخرجت في كلية الألسن، وحصلت على الماجستير في مجال الترجمة الفورية والتحريرية، ثم حصلت على دكتوراه في علم الترجمة، وعملت في أماكن حيوية عدة في المجال ذاته، من بينها المجلس الأعلى للثقافة، حيث ترجمت عدداً كبيراً من إصدارات المجلس، وكانت أصغر عضو في لجنة الترجمة. كذلك عملت في «الأهرام إبدو»، وفي «لو بروجريه إجيبسيان»، ومع منظمات دولية عدة، إلى جانب عملها كأستاذ في الجامعة والإشراف على رسائل الدكتوراه والماجستير.
الدين عامل أساسي في تشكيل ثقافتنا ونسعى إلى ترسيخ مفهوم الهوية والانتماء