داريا ومخيم الزعتري والتاريخ يعيد نفسه!
لم يكن مثل هذا التفريغ "الديموغرافي"، الذي أقدم عليه نظام بشار الأسد ومعه بالطبع الروس والإيرانيون، بإجلاء سكان داريا الملاصقة للعاصمة دمشق بجوار مطار المزة، الذي أصبح عسكرياً، إلا في سبعينيات القرن الماضي، عندما لجأت قوات الكتائب وتحالفها إلى "جرْف" مخيم تل الزعتر ومخيم "ضبية" الفلسطيني في بيروت الشرقية بغطاء مدفعي وصاروخي من "الجيش العربي السوري"!... المرابط بالقرب من قصر بعبدا الرئاسي وترحيل سكانهما حتى آخر طفل، ودفعهم إلى الهروب بأرواحهم وترك أكواخهم ومنازلهم التي لم يعودوا إليها حتى الآن. والمشكلة أن عملية "التطهير" الطائفي والمذهبي هذه في داريا تمت تحت إشراف الأمم المتحدة، التي يبدو أنها أصبحت سمساراً رخيصاً للتغطية على الجرائم التي يرتكبها طغاة الأرض ضد شعوبهم المغلوبة على أمرها... وإلا فما معنى ألا يصدر عن المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا أي اعتراض ولو بزم شفتيه امتعاضاً، وما معنى أن تُرتكب هذه الجريمة لا بل هذه الجرائم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بينما مجلس الأمن يلوذ بصمت مريب ولا يصدر عن أي هيئة دولية أي اعتراض ولو من قبيل رفع العتب!
لقد تم اقتلاع أهل داريا من مدينتهم ومن بيوتهم بعد صمود بطولي تواصل نحو أربعة أعوام، وبعد حصار موجع شارك فيه، إلى جانب مغاوير "الجيش العربي السوري"، حراس الثورة الإيرانية، وفيلق قاسم سليماني، و"مجاهدو" حزب نصرالله، ومرتزقة الشراذم المذهبية التي تم استيرادهم من إيران والعراق ودولٍ أخرى بعيدة كثيرة ليوم كهذا الذي تم فيه "تطهير" هذه المدينة الباسلة... من "السّنة"... نعم من السّنة ليحل مكانهم وفي بيوتهم وأسرِّة أطفالهم هؤلاء الغزاة الطائفيون المرتزقة. خلال الحرب العالمية الثانية حاصرت الجيوش الغربية، جيوش ألمانيا النازية، ورومانيا، وإيطاليا الفاشية، والمجر وكرواتيا، ستالين غراد التي عادت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى اسمها القديم سانت بطرسبيرغ نحو 872 يوماً، وبالطبع فإن الخسائر في الجانبين كانت كبيرة جداً قبل انتصار الجيش الأحمر على الغزاة المهاجمين، لكن بالمقارنة فإننا نجد أن أهل داريا، الذين قاتلوا بأجسادهم وأجساد أطفالهم، صمدوا أربعة أعوام قاسية في وجه قوات نظام بشار الأسد، ومعها حراس الثورة الإيرانية، وقاصفات روسيا الاتحادية، وميليشيات حزب الله، وعشرات الفصائل والتنظيمات الطائفية. إنها واحدة من أبشع جرائم التاريخ، ولعل أبشع ما فيها أنَّ ما جرى في داريا، وما جرى لأهلها هو "تطهير" طائفي وتفريغ مذهبي لإحلال مرتزقة هذه الشراذم الطائفية محل أهل هذه الأرض العربية، الذين انغرست جذورهم فيها منذ فجر التاريخ، ومنذ الغساسنة ومنذ معركة اليرموك التي قادها بطل هذه الأمة العظيمة خالد بن الوليد.. وكل هذا والواضح أن عملية التفريغ "الديموغرافي" هذه خطوة متقدمة لإنشاء الدولة التي يجري إنشاؤها في "سورية المفيدة"، التي تحدث عنها بشار الأسد!