بعد 16 عاماً من الانقطاع عن العرض، جاء معرضك الجديد «عودة الروح». لماذا كان هذا الغياب الطويل؟شعرت عام 2000 بمشاكسات مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وانتظرت أن يغادر الوزارة وهو ما لم يتحقق إلا بعد الثورة. كنت اتخذت قراراً بتقديم معرض في قاعة بيكاسو عام 2011، وخلال طباعة الكتيب الخاص به، قامت ثورة 25 يناير فألغيته. ثم مكثت طوال الخمس سنوات الماضية أنتظر تغييراً ما، وهو ما لم يحدث.
مرّت 15 عاماً من دون العرض، ففكرت في أن لدي إنتاجاً كثيراً، فضلاً عن أنني استثمرت العشر سنوات الماضية في تطوير عملي النحتي لأنني نحات ولست مصوراً فحسب، فأقمت ورشة نحت في قصر الشوق في الغورية أربع سنوات، ثم ذهبت إلى الفنان أديب ميخائيل وتعلمت منه تقنية البرونز المباشر، وطوّرت مهاراتها في عملي النحتي.كذلك جدّدت العرض لأنني عندما كنت في صدد إطلاق المعرض خلال الثورة، تسرّبت لوحات الموظف ودنقل وبائع الخبز بمبالغاتها الشكلية. بمعنى أن المعرض لم يأخذ زهوته، لكن الأعمال معاً كانت جملة ضخمة مهمة.كيف تمّ تأويل غيابك عن الساحة التشكيلية؟تمّ تأويله باهتمامي بالسياسة وظهور الوجه السياسي لي، فتقصدت الرجوع لاستعادة مكانتي، لا سيما أنه ثبت أن طوال 16 عاماً من الغياب لم يستطع أحد أن يحتلّ مكانتي. في واقع الأمر، كنت أيضاً أراقب الحركة الفنية ولاحظت التكرار في المستوى، ذلك من خلال دعوات إلى المعارض تلقيتها ومتابعة الأعمال عبر وسائل التواصل الاجتماعي.كيف وجدت الحركة التشكيلية بعد غياب طويل؟عندما أقمت المعرض أعتقدت أنه عودة للحركة الفنية، ولكني لم أجد حركة من الأصل. وعلى رغم خلافي مع نظامنا البائد، يبدو أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني كان يصنع رواجاً ما كفنان تشكيلي، ولا أعلم إذا كان رواجاً حقيقياً أو لا. لكن الأكيد، أن الحركة التشكيلية تراجعت راهناً، رغم وجود أجيال جديدة تقدم الواقعية الجديدة، وشيوع المدارس الفنية وسهولة الاتصال بالعالم وانتشار الفعاليات الفنية والبيناليات. ولكن علينا أن نقول إن هذه الظاهرة ربما عالمية، إذ لم نعد نر أسماءً لامعة في العالم الغربي وهذا يرتبط بشكل ما في رأيي بأن الرأسمالية العالمية في حالة انسحاب، والفن التشكيلي برجوازي مرتبط بعض الشيء بالرأسمالية، وما زال يعيش في قطيعة مع الشعب. تقريباً، أنا الفنان الذي أهتم بفتح طريق لأن تكون الحياة المصرية هي البطل، ولم تكن عيناي على جوائز وفعاليات كبرى يوماً.لكن البعض وصف عزلتك عن الحركة التشكيلية وعدم زيارتك المعارض الفنية بنوع من التعالي؟ليس تعاليا مطلقاً. أنا أستاذ في كلية التربية الفنية أحتك بالطلاب والزملاء، لكن القطيعة كانت بسبب الخلاف الثقافي. ليس لدي توافق مع البعض. كنت أنتمي إلى الجامعة الفكرية السياسية، نشأت وسط كل من يوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله وأمل دنقل، ولدي توجهات سياسية واجتماعية. أرسم كرسام ابن أمه، وأنتمي إلى عامة الناس والمناطق الشعبية، ما جعل لدي موقفاً إيديولوجياً حاداً وواضحاً في أعمالي وأفكاري. وأندهش عندما أجد مواقف التشكيليين السياسية غير واضحة سواء الفترة الراهنة أو الماضية، فكل ما يشغلهم التركيز على بينالي فينسيا أو معارض الدولة التي يمثلون بها مصر في الخارج. حتى أنهم بسياستهم يختارون معارض متغربة كي يظهروا للـ{خواجات» أن لديهم فناً مثل الغرب مبتعدين عن هويتهم الشرقية.أعود وأقول أيضاً إن الجماعة التشكيلية معزولة. عندما رجعت اكتشفت انحساراً في مستوى الوعي العام، وأن استقبال الجديد يتمّ ببطء، رغم أنني أعترف بأن الحركة استقبلتني بشكل معقول. لم أدخل في «لوبي»، وليس لي أصدقاء وأتابع المشهد التشكيلي من خلال الكلية والعملية التعليمية. صحيح أنني لست بعيداً عن التشكيليين، ولكني لا أستطيع أن أمضي سهرة معهم، إذ لن أجد رابطاً للحديث معهم كون ثقافتهم ضعيفة. عموماً، أعتقد أن الفنان التشكيلي هو المسؤول عن التصورات الفكرية البصرية، البشرية لا تستطيع أن تطور حياتها من دون تصور ذهني بصري.قدمت خمسة أعمال نحتية فقط إلى جانب لوحات التصوير. لماذا هذا العدد القليل، وهو ربما لا يظهر بشكل جيد وسط المعرض؟أعمال النحت، لا سيما منها المنحوتات التاريخية، ستستمر مثل «ابن البلد». النحات لا يقدم معرضاً كل عام، وعندما أدخل بخمسة تماثيل باحترافية تظهر نقلات جديدة فهذا أمر مهم. استغرق كل تمثال مجهوداً كبيراً، ولدي ستة تماثيل لم أعرضها، واخترت تجارب متبلورة ستكون متميزة في حال عرُضت مع النحاتين الكبار أو بمعرض فردي.
أعمال قليلة... وتفرّد
تبدو منحوتاتك وكأنها بشخصياتها تخرج من اللوحات التي تقدمها.نعم، لأنها تضمّ روح العالم الذي أعبر به.. ولم تعُالج معالجة اللوحة بل بالنحت، والأخير عمل صعب ولغة خاصة وحدس. لا تنحصر المسألة في التعبير عن روح الأشخاص، بل أيضاً الخامة بطل كبير في هذا المجال، سواء برونزاً أو خشباً أو حجراً.كانت تجربتي ما بين التصوير والنحت مفيدة بمعنى القدرة على تقديم عمل نحتي معادل لعالم التصوير قيمته الفنية قائمة بذاتها كما اللوحة، بصرف النظر عن أنه يعبّر عن عالمي التعبيري.حرصت على تقديم مشروع خاص بك من خلال تفردك برسم الحارة وطريق المعالجة الفنية لشخصياتك، فهل ترى أن من الضروري امتلاك كل مبدع منطقة ما؟بالطبع، لا بد من أن يتفرد كل فنان بمنطقة فنية. عندما نقرأ يوسف إدريس نعرف أنه لا يمكن أن يكتب هذا العمل سواه. ما يميز الفنان عن غيره هو أن لديه وجهة نظر خاصة في الشكل والملامح والتكوين.من جمهورك المستهدف إذا جاز لنا تحديد نوعيته؟كل من يشاهد أعمالي. لوحاتي مفهومة وبسيطة. لوحات تشخيصية تعبيرية فيها نص بصري من خلال قصة أو موقف ومشهد محدد يستطيع الناس معرفة بدايته ونهايته. ليست لدي ألغاز، فأي مستوى اجتماعي يفهم ماهية اللوحة. أما الصياغة الخاصة بي والتي تضم روح الدعابة والنكتة والسخرية والمبالغات التشكيلية التعبيرية فهي خاصية تشبه المصريين.أرسم بهذه المواصفات والصياغات المصرية. يتحوّل الموضوع معي إلى عمل ثوري أحياناً، يحمل هدفاً وخطة. ألعب في عقل المتفرج بأن أنقله معي مثل لوحة «الثورة». وفي لوحة «الموظف» أظهر فكرة البيروقراطية والبؤس، فيما تعكس «بائع الخبز» الطبقة المعدمة، ويبدو في «البلكونة» شكل من أشكال الطوفان الاجتماعي ومراقبة الناس بعضهم بعضاً، وغيرها من لوحات، أسعى فيها دائماً إلى التجديد.نجيب محفوظ والوسادة الخالية
صلاح عناني أحد أبرز الفنانين التشكيليين في مصر، تعدت أعماله الحدود وذاعت في أنحاء العالم، خصوصاً لوحاته عن نجيب محفوظ، و{مئة عام من التنوير»، و{مئة سنة سينما». عن هذه الأعمال يقول: «عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل رسمته في الحارة المصرية، فأحدثت هذه اللوحة صدى كبيراً وكتب عنها كثيرون، ووزعت آلاف منها حول العالم، ولم تتبق جامعة تدرس اللغة العربية إلا وعرضت لوحة نجيب محفوظ. أما لوحة «التنوير» فرسمتها عندما عانت مصر موجة الإرهاب في نهاية الثمانينيات، وتضمنت أبرز رموز التنوير في ذلك القرن، من بينهم: محمد عبده، ومختار، ورفاعة الطهطاوي، وسيد درويش، وبيرم التونسي، وصلاح جاهين، وآخرون. وحمل معرض الكتاب في العام الذي رسمت فيه اللوحة عنوانها ذاته «مئة عام من التنوير»، فكانت إيقونة مهمة للمعرض».يتابع: «استغرقت لوحة «مئة سنة سينما» ثمانية أشهر لتتضمن 3 آلاف فنان وأهم المشاهد. لعبت على فكرة المقدمة ومشاهد الحب، فبدأت بمشهد عبد السلام النابلسي وزينات صدقي في فيلم «شارع الحب»، ثم سعاد حسني وعمر الشريف يليهما العندليب ولبنى عبدالعزيز في «الوسادة الخالية» وهكذا.ويختم: «هذه اللوحات كافة عبارة عن سلسلة من مشاهد حياتية، سواء كانت لمشاهير أو مغمورين».