تقنين الملاحقة
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
إن عنفاً وتوحشاً وتدميراً وقتلاً مجانياً تتناقله المحطات الفضائية، وتنشر تفاصيله شبكات التواصل الاجتماعي على مدار الساعة صار يلاحق الإنسان منذ لحظة استيقاظه حتى موعد نومه. لذا، ومثلما قدم الفكر الإنساني التقني خدمة التلفون الذكي ومحرك البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، فإنه بصدد إيجاد الطرق الكفيلة التي لا تقطع تواصل الإنسان بمحيطه الإنساني من جهة، وتنأى به عن الوجع المجاني.إن عهداً جديداً أطلَّ على البشرية مع ميلاد التلفون الذكي. وإذا كان هذا العهد وفر للإنسان خدمات ما كان يحلم بها، فإنه في المقابل أخذ منه راحة البال والخصوصية، وجعله مستباحاً أمام الآخر، وشرّع بابه أمام بشرٍ ما كان له أن يتواصل معهم حتى في الأحلام. كل اختراع جديد يقدم ميزة، ويأخذ في المقابل ما يوازيها من روح الإنسان. لذا، فقدَ الإنسان جزءاً كبيراً من سلامه الداخلي بوجود التلفون الذكي في جيبه وأمامه طوال الوقت، كما ضُربت العلاقة الإنسانية الأقرب في مقتل، بسبب انشغال أفراد الأسرة؛ الصغير والكبير، كلٌ بعالمه الخاص، بعيداً عن مخالطة ومعرفة الآخر. بل وهذا هو الأسوأ بدأت أجيال من الأطفال تتربى على عوالم "الآي باد"، بعيداً عن حضن وحنان الأم وصوت الأم وحكاية الأم وابتسامة الأم، ما يخلق أطفالاً باختلالات روحية وعقد نفسية، بعدم قدرتهم على التواصل مع العالم الحي، والاكتفاء بالتواصل مع العالم الافتراضي.العودة لحياة البساطة باتت حلما مغريا بالنسبة للكثيرين، لكني أظن أنه من المناسب البدء بخطوات بسيطة قد تكون كفيلة بتقديم شيء من الهدوء لأرواحنا. أولى هذه الخطوات، إبعاد أبنائنا الصغار عن الهاتف الذكي وعن الآي باد، وذلك بتوفير وقت بديل لهم بصحبتنا، وقت نقدم لهم فيه لهواً ومعرفة يفرحون بهما، ونقدم لأرواحنا متعة رائعة بصحبتهم البريئة. وثاني الخطوات، هي رجوعنا لكتاب يسلي الروح، ويقدم زاداً فكرياً تعجز عنه الجملة العابرة على شبكات التواصل الاجتماعي.