للانتخابات الرئاسية الأميركية انعكاس كبير على مستقبل الديمقراطية، ولا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة، فقد يكون تأثير رئاسة ترامب العالمي كارثياً، ولكن حتى فوز كلينتون لن يساهم في عكس موجة التراجع العالمية التي نشهدها راهناً في مجالَي الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما لم تبدّل السياسة التي تتبعها الإدارة حالياً.وإذا بدا لك كل ذلك مفاجئاً بعض الشيء فلنتأمل في تطورات العقد الماضي:
نجحت قوى قيادية مستبدة حول العالم (الصين، وروسيا، وإيران) في تثبيت ركائزها في الداخل، متبعةً سلوكاً أكثر عدائية بكثير خارج حدودها، وأثبتت هذه القوى أن من الممكن تحويل الإنترنت إلى سلاح للسيطرة، بخلاف ما توقعناه سابقاً، وكذلك برهنت أن باستطاعة الدول دخول الاقتصاد العالمي، في حين تقمع حرية التعبير، والعبادة، والتجمع في الداخل، وألّفت هذه القوى أيضاً نوعاً من ائتلاف للحكام المستبدين، فعملت معاً على تقويض مبادئ الاقتصادات الحرة وحقوق الإنسان وتشويهها.في المقابل انحدرت أمم كنا نعتبرها ملتصقة بمعسكر الديمقراطيات نحو الاستبداد، علماً أن عدداً كبيراً منها من حلفاء الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات، كما في تايلند، جاء هذا التراجع من خلال انقلاب عسكري قديم الطراز، ولكن في حالات أخرى، كما في بولندا، والفلبين، وهنغاريا، وتركيا، ونيكاراغوا، تقوّض الحكومات المنتخبة نفسها أسس حماية الديمقراطية.بالإضافة إلى ذلك، سارت أمم أخرى، وهي من الأنظمة المستبدة الناعمة التي وعدت بانفتاح أكبر، في درب معاكس تماماً، مثل مصر، وإثيوبيا، وماليزيا، والكثير غيرها، وتؤكد Freedom House، وهي منظمة غير حكومية تتتبع هذه المسائل منذ أن ساهمت إلينور روزفلت في تأسيسها قبل 75 سنة، تردي وضع الديمقراطية حول العالم.سيساهم ترامب بدوره في تقويض الديمقراطية نظراً إلى عدم احترامه المعايير الديمقراطية محلياً، فقد أيد التعذيب وغيره من أعمال الحرب غير المشروعة.ولكن حتى لو خسر ترامب فإن الديمقراطية تكون قد تلقت ضربة كبيرة، فكيف يمكن لرجل مماثل أن يصبح مرشح حزب بارز؟ لكننا قد نشهد تحليلاً مختلفاً لخسارة مماثلة أيضاً، فمع أننا نعيش في زمن الأزمات الاقتصادية، ومع أن الأميركيين يواجهون بديلاً يكرهه ناخبون كثيرون، لكنهم تصرفوا بحكمة وتفادوا الأسوأ.لكن رئاسة كلينتون لن تنجح في تبديل هذا التوجه العالمي، إلا إذا تبنت الأهداف التي شدد عليها أوباما خلال ترشحه ليتخلى عن معظمها في عهده.لا شك أن التوجهات العالمية تقوم على عوامل عدة لا تشكل القيادة الأميركية إلا واحداً منها، لكن أوباما اعتبر خلال حملته الانتخابية فرانكلن روزفلت، وهاري ترومان، وجون كينيدي نماذج يُحتذى بها، فقد كتب في مجلة Foreign Affairs، أن هؤلاء الرؤساء حرصوا على أن «تساند الولايات المتحدة وتحارب في سبيل الديمقراطية التي يسعى إليها مليارات الأشخاص خارج حدودها»، وأكّد أيضاً أن إدارته ستعمل على «بناء مجتمعات عادلة، وآمنة، وديمقراطية»، حيث يستطيع المواطنون «اختيار قادتهم في جو بعيد عن الخوف».لكن الإدارة الحالية سارت بعيداً جداً عن رؤية أوباما عام 2007، ويتجلى ذلك بوضوح في مقال لنائب الرئيس بايدن نُشر في العدد الحالي من المجلة عينها، فلم يأتِ على ذكر الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا بشكل عابر، وحدد بايدن مهام الإدارة المقبلة لتحقيق «مستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً»، إلا أنه لا علاقة لأي منها بالحرية، وشملت هذه المهام تعميق التحالفات في آسيا والنصف الغربي من الكرة الأرضية، ومعالجة تبدل المناخ والإرهاب، وتحسين الروابط مع القوى الإقليمية. ولا شك أن هذه كلها مهمة، لكن بلوغها لن يكون ممكناً، إذا واصلت الديمقراطية تراجعها.* فريد هيات | Fred Hiatt
مقالات
ما قد يخسره العالم في الانتخابات الرئاسية الأميركية
01-09-2016