رفاق العمر!

نشر في 01-09-2016
آخر تحديث 01-09-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري جوهر الحياة هو الحاجة، وتحديداً الحاجة لآخر، رفيق لنا في رحلة العمر، من الأقرباء والأصدقاء والأحبة ومن صادفنا من الأشخاص في مشوار حياتنا مهما كانت مسافته، هؤلاء هم رفاق العمر، منهم المصطفى بإرادتنا الحرّة، ومنهم من فرضه القدر. في رحلة العمر، معيار النجاح هو أن نحظى برحلة آمنة، وليس رحلة سعيدة، فالرحلة الآمنة نعمة، والسعادة نعمة أخرى نحظى بها لأسباب مختلفة.

في رحلة كهذه ورفاق كهؤلاء نكتشفهم خلال الرحلة فقط، وليس قبلها، أظن أن مجرد الطموح بالوصول للضفة الأخرى سالمين بأجسادنا، وما تملك إنسانيتنا، طموح مشوب بتحدٍّ قد لا يكون يسيرا. أما تمني السعادة، فذاك بحاجة لبركة، وليس لطموح فقط، والبركة لا تُظهر أسبابها للعيان، وما من عمل يضمن الحصول عليها، فكأنما هي هبات فائضة لدى الله يوزعها كيفما شاء، ولحكمة مجهولة.

فالطموح إذن هو الحصول على رحلة آمنة، والحل للحصول على ذلك يكاد يكون معروفاً، وهو:

"أن تحظى بشريك يهتم كثيرا لرضاك وزعلك"، وهذا حتما ليس كل الطموح، إنما الحد الأدنى منه، فإن ضمنت رفيقا يهتم بذلك وكنت عاقلا بما يكفي لتكون مثله، فتلك ضمانة أن لا حوادث متعمدة ستحدث لكما خلال الرحلة، فمن يهتم لرؤية آخر غير راضٍ، فإن رؤيته جريحاً ستُفزعه، ومخافة الجروح أول احتياطات السلامة. ورغم أن الوصفة معروفة، فإنه يندر الحصول على الدواء، لأن شريك العمر لا يُخلق، إنما يُصنع.

ليس من اليسير أبداً أن تجد من إذا زعلت ضاقت به الدنيا، وإذا ما فرحت تضاءل في الفضاء، من يضاهيك فرحاً بنجاحك، ويفوقك عزيمة في مساعدتك للنهوض عند خسارتك، ينزف قبل أن تطعن، وأول من يسارع لإيقاف نزفك.

ليس يسيراً أن تجد من يظنه أنت، ربما أيسر من ذلك كثيرا أن تجد من يظنك هو، هذا النوع من العلاقات لا يأتي صدفة وبمحض الدعوات الصالحة، إنما تصنعه سلوكياتنا، وما يتسرب من خلالها من بعض ملامحنا غير المرئية للآخرين الذين من بينهم يتشكّل رفاق العمر الذين نسعى للحصول عليهم، الذين يحرصون على ما نحب، ويتجنبون ما نكره، إلا فيما يضرنا، إن كانوا على يقين منه، أولئك الذين يصبح لهم دين علينا نردّه بأن نكون مثلهم لهم، إلا أنه ليس من السهل الحصول على أحد هؤلاء، لأنهم من صناعتنا، فيما نحن غارقون في البحث عنهم معلبين جاهزين، نريدهم أن يثبتوا لنا أنهم يستحقون أن يكونوا رفاق أعمارنا قبل أن نثبت لهم أننا نستحق شيئاً من أعمارهم، نظن أننا سنجدهم معروضين في فاترينة الحياة بمواصفاتهم قبل أن نختارهم، نريدهم أن يثبتوا وفاءهم لنا قبل أن نكتب عهداً لهم بالوفاء، يشغلنا سؤالنا الدائم عمّا إذا كانوا مؤتمنين على حياتنا، قبل أن نريهم أن قلوبهم معنا في مأمن، متجاهلين تماما أن رفاق العمر من نسج طباعنا يصنعون!

back to top