العدناني... اغتيال الصوت المُتفجِّر لـ«داعش»
أحد القادة القلائل المتبقّين من بين الآباء المؤسسين للتنظيم
منذ سنتين، عرضت الولايات المتحدة جائزة بقيمة خمسة ملايين دولار مقابل رأس أبو محمد العدناني، رئيس الحملات الدعائية وكبير الاستراتيجيين في «داعش»، الذي كان واحداً من أكثر القادة العدائيين في أوساط التنظيم الداخلية والخارجية. وكان العدناني يستعمل مجموعة من أكثر الكلمات البغيضة التي يمكن أن تنتجها الخلافة الجهادية؛ ففي سبتمبر 2014، بعدما شكّلت إدارة أوباما تحالفاً لشنّ ضربات جوية ضد «داعش»، ردّ عليها بخطاب طويل وغير متماسك، استعمل فيه أسلوب التحدي، جاء فيه: «يا أوباما، يا بغل اليهود، خسئت خسئت وخبت أوباما. أهذا كل ما قدرت عليه في حملتكم هذه؟ ألهذا الحد وصلت أميركا من الضعف؟ أتعجز أميركا وكل حلفائها من الصليبيين على النزول إلى الأرض؟ أما أدركتم أيها الصليبيون أن حرب الوكلاء لن تغني عنكم ولن تغني؟ أما علمتَ، يا بغل اليهود، أن المعركة لن تُحسَم من الجو أبداً؟ أم تظن نفسك أذكى من بوش، حين جلب جيوش الصليب ووضعها تحت نار المجاهدين ميدانياً؟! كلا، بل أنت أغبى منه». وبينما حصلت الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، على رَجُلها الذي يعد واحداً من أبرز الرجال المطلوبين على لائحة الإرهاب الأميركية، أعلن «داعش»، في تصريح رثائي، مقتل العدناني، تزامناً مع «مراقبة العمليات العسكرية» في محافظة حلب... قال فيه: «بعد رحلة حافلة بالتضحية ومدافعة الكفر وحزبه ترجّل الفارس الهمام أبو محمد العدناني الشامي ليلحق بركب القادة الشهداء، ركب الأبطال الذين جاهدوا وصدعوا بالحق والموتُ يتربّص بهم».
وخلال ساعات، أصدر مسؤول في وزارة الدفاع في واشنطن، أمس الأول الثلاثاء، تصريحاً مقتضباً: «في ما يخص التقارير المتعلقة بمقتل القيادي في (داعش)، العدناني، أؤكد أنّ قوات التحالف شنّت ضربة عسكرية في وقت سابق من هذا الصباح على منطقة الباب السورية -تقع في محافظة حلب الشمالية، بالقرب من الحدود مع تركيا- واستهدفت زعيماً بارزاً في (داعش). ما زلنا نقيّم نتائج العملية حتى الآن».وسيكون مقتل العدناني، إذا تأكّدت صحته، أكبر انتكاسة فردية لقيادة «داعش»، منذ أن بدأ التنظيم حربه الخاطفة في أنحاء الشرق الأوسط وأعاد بذلك رسم خارطة عمرها مئة سنة، نظراً لأنه رئيس عمليات أمير الخلافة أبو بكر البغدادي، داخل أوساط «داعش» وخارجها.يوم الثلاثاء، قال لي مسؤول أميركي مُطّلع على مسار الحرب ضد «داعش»: «إلى جانب البغدادي، يُعتبر العدناني ثاني أهم شخصية محورية. إنه عنصر أساسي في التخطيط العسكري وجهود صياغة الرسائل. هو صوت (داعش)، وكان يدافع عن تلك الاعتداءات المريعة كلها في العراق وسورية وفي جميع أنحاء العالم. كان دوره حاسماً في جهودهم. إذا تأكّد خبر موته، فستكون الانتكاسة هائلة بالنسبة إليهم». واشتهر العدناني بتحضير فيديوهات يظهر فيها عناصر «داعش» وهم يقطعون رؤوس رهائن غربيين، ويقتلون خصومهم المحليين خلال عمليات إعدام جماعية، فيما يرفرف علم «داعش» الأسود في خلفية المشاهد. وجذبت تكتيكاته الدموية في تجنيد العناصر آلاف المقاتلين الأجانب من القارات الخمس. بحسب رأي حسن حسن، كاتب ISIS:Inside Army of Terror («داعش»: داخل جيش الإرهاب) الذي حقق أعلى المبيعات وفق لائحة مجلة «تايمز»، يُعتبر العدناني واحداً من القادة القلائل المتبقّين من بين الآباء المؤسسين للتنظيم. قال لي حسن: «تشير هذه التطورات إلى بدء عملية نقل السلطة إلى عناصر من الصف الثاني والثالث في التنظيم. وقد يؤثر هذا الوضع على مسار التنظيم وطريقة عمله. يكون أولئك القادة الذين تطوروا داخل التنظيم أكثر قدرة على تفهّم الديناميات المحلية، لذا قد يصبح مقتل هذا النوع من القادة كفيلاً بضخ حياة جديدة في التنظيم. بعد أن حدّد مسبقاً أولئك الآباء المؤسسون معالم «داعش» ورسموها بدقة، من الناحيتين الاستراتيجية والأيديولوجية، لذا لن يحصل القادة الجدد على مساحة واسعة لإحداث أي تغيير، لكن أصبح هذا الاحتمال ممكناً أكثر من السابق».لطالما اعتُبر العدناني الذي كان في أواخر الثلاثينات من عمره عدواً للولايات المتحدة، وتحديداً منذ عام 2003. اسمه الحقيقي طه صبحي فلاحة، لكنه استعمل على مر حياته ستة أسماء أخرى، على الأقل. كان واحداً من أوائل المقاتلين الأجانب الذين استهدفوا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، وكان من أوائل مناصري «القاعدة» في العراق. وكانت الولايات المتحدة احتجزت العدناني لأكثر من خمس سنوات، وفق مراجع الأمم المتحدة، ترافقت مع فرض عقوبات دولية ضده في عام 2014. واعتُقل في عام 2005 وكان يحمل حينها واحداً من أسمائه المستعارة المتعددة، ولم يُفرَج عنه قبل عام 2010. ثم عاد إلى سورية وأصبح جزءاً من «داعش». ووفق مراجع الأمم المتحدة، يُعتبر العدناني واحداً «من أكثر الأمراء النافذين في (داعش)». كان يدعو المناصرين في الخارج، لا سيما العناصر الذين ينشطون وحدهم في الغرب، إلى أخذ المبادرات بأنفسهم: «إن عجزتَ عن العبوة أو الرصاصة... حدِّدْ الأميركي والفرنسي الكافر وأياً من حلفائه. فارضخ رأسه بحجر، أو انحره بسكين، أو ادهسه بسيارتك، أو ارمه من شاهق، أو اكتم أنفاسه، أو دسّ له السم».ظن الكثيرون أنه كان متورطاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتفجيرات واعتداءات متنوعة في أوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك هجوم «سان برناردينو» في شهر ديسمبر، واشتُبه أيضاً بتورط مناصري «داعش» هذه السنة في اعتداءات نادي «بلس» الليلي في «أورلاندو»، والهجوم خلال الاحتفال بيوم الباستيل في مدينة «نيس»، فضلاً عن مجموعة من العمليات الانتحارية الدموية في الشرق الأوسط خلال شهر رمضان. قال لي تشارلز ليستر، مسؤول بارز في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن: «كان العدناني على الأرجح أكثر قائد عدائي داخل (داعش) في نظر الرأي العام، وقد كانت دعواته المتكررة إلى شنّ الاعتداءات على يد المناصرين والأعضاء في الغرب ناجحة جداً في الأشهر الأخيرة. قد يجد «داعش» صعوبة في تأجيج مستويات العنف بقدر ما فعل في الفترة الأخيرة بعدما خسر التنظيم صوته المتفجّر».لكن لن يَشلّ مقتل العدناني عمل «داعش» أكثر مما أعاق مقتل أسامة بن لادن مسار «القاعدة». وسبق أن تعهّد «داعش» بالانتقام لمقتل العدناني محذراً: «نبشّر الأنجاس الجبناء في ملّة الكفر وحملة لواء الصليب فيها بما يقضّ مضاجعهم... ولن تزيده دماء الشيوخ إلا ثباتاً على درب الجهاد وعزيمةً على الثأر منهم والبطش بهم».لم تتأثر الولايات المتحدة بذلك التهديد، ليس علناً على الأقل، ففي وقت متأخر من يوم الثلاثاء، أكّد المتحدث باسم «البنتاغون»، بيتر كوك، إطلاق ضربة دقيقة تستهدف العدناني، وتعهّد بأن يتابع الجيش الأميركي «استهداف قادة (داعش) والمتآمرين الخارجيين بلا هوادة»، للدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها، تزامناً مع «زيادة زخم العمليات لتدمير وَرَم (داعش) في العراق وسورية ومحاربة تشعّباته حول العالم». ومن الواضح أن المعركة بين أعظم قوة في العالم وأخطر عدو لها ستكون طويلة.«روبن رايت – newyorker.com»