6/6: مؤسسة الفساد السرية!

نشر في 02-09-2016
آخر تحديث 02-09-2016 | 00:10
 يوسف الجاسم الفساد المالي والإداري والأخلاقي ظاهرة إنسانية تعانيها جميع الدول والأمم. ويتخذ الفساد أشكالاً وصوراً مختلفة في كل جانب من جوانبه المظلمة، وتتسابق الدول على محاصرة هذه الأشكال من الفساد، من خلال تطبيق المنظومات القانونية والتنظيمية، وعبر تحصين المجتمع بالضوابط والروادع الدينية والأخلاقية والتربوية والتثقيفية، التي تعد المدخل الأول لمحاربة الفساد وقهره والخلاص منه.

الدنمارك اعتمدت سلاح الأمانة والإتقان والتفاني في العمل، كمدخل لبناء الإنسان والدولة بشكل عام، وأخذت من جميع الأديان السماوية معاييرها في الانضباط الأخلاقي، وأضافتها إلى موروثها الأخلاقي قبل الديني، لتحقق من خلالها، وعبر أدواتها وصيغها الإدارية المتفردة، المركز الأول عالمياً في النزاهة وانعدام الفساد، تليها نيوزيلندا وشقيقاتها في الدول الإسكندنافية، التي تركت دول العالم تجري خلفها بمسافات بعيدة، وفق مقاييس مدركات الفساد.

هناك أيضاً النموذج الياباني، الذي حقق أعلى المقاييس العالمية، تقدماً وتحضراً وتفوقاً في شتى الميادين الحضارية والإنسانية، والذي أبهر العالم بإنجازاته التكنولوجية والصناعية والاقتصادية، ما جعل اليابان تحتل مكانتها المرموقة في عالم الكبار، واعتمدت الأسطورة اليابانية على الوازع الأخلاقي في الأداء عبر ديانتها الأرضية، فأصبح ليس أمام الفاسد الياباني حين ينفضح أمره سوى الانتحار!

الفساد لدينا في الكويت، ومع عميق الأسف، أصبح مؤسسياً وسرطاني الملامح، وما زلنا - يا للخجل - نحتل مراتب متقدمة في مدركاته عالمياً، ومراكز متأخرة في مكافحته، وأصبحت العناصر الفاسدة في المؤسستين؛ التنفيذية والتشريعية، تتبارى وتتشارك بتوليد أشكال الفساد المختلفة من واسطات ومحسوبيات وتهالك في قيم الإنتاج والأمانة ونظافة اليد.

مؤسسة الفساد السرية لدينا أصبحت تتفنن في توسيع دوائره، وترسيخ أقدامه إلى حدود مذهلة، فأصبح غولاً يقهر قدرات الكوابح الدينية والأخلاقية والتربوية والعقابية والرقابية على تطويق آثاره، رغم وجود أكبر الشبكات الوقائية ضد الفساد في العالم لدينا.

الرشوة والتربح غير المشروع وجني العمولات من عقود المشاريع، كبيرها وصغيرها، مروراً بأبسط المعاملات الحكومية، أصبحت شروطاً لتمريرها من قبل المؤسسة السرية، وغدت هذه الظاهرة حالة كويتية متفردة، وأصبحنا مضرب المثل، وللأسف كبقعة جغرافية يستوطنها الفساد ويفتك بتنميتها ويشدها إلى الخلف في زمن التقدم، وإلى الهاوية في زمن الارتقاء، والأمثلة على ذلك لا تتسعها مساحة المقال.

الغالبية تتراجع عن فضح المرتشين والمفسدين، حرصاً منها على مصير مصالحها معهم، فتنغمس بدفع الرشاوى والسكوت عن الخراب، وسط تلك الدائرة الجهنمية من نفوذ المفسدين في معظم المجالات، وفي الدوائرالحكومية خاصة.

أطاحت أخطاؤنا التشريعية هيئة مكافحة الفساد، وأعيد إحياؤها تشريعياً، لكن يديها لاتزالان مغلولتين، لعدم صدور لائحتها التنفيذية حتى الآن!

سمعنا أن هناك قوائم بالمسؤولين المعطلين للتنمية طلب سمو رئيس مجلس الوزراء تقديمها له، لكننا لم نرها بعد، ولم نسمع عن محاسبة أو عقاب مقصر واحد!

نحن دولة لا تجيد إصدار قرارات الإعفاء للفاسدين والمقصرين، مثلما تجيد إصدار قرارات التنفيع!

لم نسمع عن فضح ومساءلة وعقاب مرتشٍ واحد، ولا كبير واحد ممن يقفون وراء الفساد (الذي تنوء بحمله البعارين)، أو من هم وراء أكبر وأخطر شبكات تهريب المخدرات والممنوعات!

الفساد هو أكبر خطر نواجهه، حاضراً ومستقبلاً، ومكافحته أمر مستحق علينا جميعاً، والأخطر من الفساد هو فساد مكافحته كما كتبت سابقاً!

back to top