هل سمع ساركوزي بجنرال اسمه جياب؟!
لو أن الاعتراضات والشروط التي يطالب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتطبيقها على اللاجئين، الذين باتوا يشكلون أكبر مشكلة تواجه العديد من الدول الأوروبية، وبخاصة المنضوية في إطار الاتحاد الأوروبي، وهؤلاء في غالبيتهم - إن لم يكن كلهم - من العرب والمسلمين، قد طبقت على والده، الذي فر من بلده الأصلي هنغاريا (المجر)، ربما تحت وطأة الظروف المعيشية الضاغطة، وجاء إلى بلاد "الغال"، لكان ولده، هذا النجم الذي ارتفع في سماء السياسة الفرنسية بسرعة الضوء، إما إنساناً مجهولاً "ضائعاً" في شوارع "بودابست"، أو مهاجراً في إسرائيل، مثله مثل كل اليهود، الذين ركبوا أمواج الهجرة بحثاً عن "العسل واللبن" في الأرض الموعودة.وبعد خروجه غير المريح من موقع الرئاسة الفرنسية، أثار ساركوزي ألف سؤال وسؤال، ودارت حوله وحول أسبابه ودوافعه شبهات كثيرة، أراد العودة إلى ذلك الحكم الجميل، الذي فقده ولم يستمتع به كغيره من الرؤساء الفرنسيين الكبار، فلم يجد ما يستخدمه من أجل هذه العودة، غير المضمونة ولا المؤكدة حتى الآن، إلا الذهاب بعيداً والتطرف المفتعل الأكثر من اللزوم في عداء اللاجئين العرب والمسلمين الذين غالبيتهم من السوريين الذين "لم يلزّهم على المر إلا الأمرّ منه"، كما يقال، والذين لولا أنهم ابتلوا بهذا النظام الاستبدادي القاتل، وبالاحتلالين الروسي والإيراني، فإن المؤكد أنهم الآن ينعمون برغد العيش في وطنهم الجميل، ولم يضطروا إلى هذه الهجرة التي جعلتهم هدفاً لقطعان العنصريين من حليقي الرؤوس، الذين لا يتقنون مما قد يوصلهم إلى ما يريدونه إلا بـ "صب جام غضبهم" على هؤلاء الذين اضطروا إلى ركوب أمواج بحور الظلمات، والذين تقطعت بهم السبل وباتوا يعيشون في مخيمات الذل والهوان على حدود الدول البعيدة.
ولمزيد من دغدغة نزعات الممتلئة قلوبهم بصديد العنصرية، فإن ساركوزي هذا، ابن المهاجر واللاجئ من هنغاريا، التي جاء شعبها إلى هذا البلد في أوروبا من منطقة آسيوية بعيدة، قد جعل شعاره الانتخابي: "إنني أرفض أن أرى أي واحد من هؤلاء اللاجئين على الأراضي الفرنسية"، ولا يجوز "تجنيس" أي "غريب" إلا بعد قضاء 10 سنوات في فرنسا، مع إثبات أنه كان خلال هذه الأعوام حسن السلوك والسيرة، ولم يرتكب أي مخالفة أو حتى أي من الشجارات العادية!وكان على الـ "ميسيو" ساركوزي قبل أن "يتقيأ" بكل هذه التصريحات العنصرية، أن يتذكر أن هذه البلاد التي جاء والده إليها مهاجراً من "هنغاريا"، وأصبح هو رئيساً لها، ويريد أن يصبح رئيساً لها مرة ثانية، قد احتلت الجزائر عبر البحر الأبيض المتوسط مئة واثنين وثلاثين عاماً، وأنها كانت ذات يوم غير بعيد تستعمر سورية، بلد هؤلاء اللاجئين الذين لا يريد أن يبقى أي واحد منهم ولو ليلة واحدة على الأراضي الفرنسية، وأنها وصلت باحتلالها حتى إلى فيتنام، قبل أن تخرج منها مهزومة هزيمة منكرة... وهنا فإنه لابد من التساؤل: هل يا ترى أن هذا الـ "ساركوزي" قد سمع بمحارب عالمي شجاع اسمه الجنرال جياب؟