الحمد لله على نعمة الوعي

الوعي لغة: الإحاطة بالأمر وتدبره والتعامل معه، فهو يجعلك قادرا على إدارة الذات واتخاذ القرارات والتعامل مع الواقع، وعلى الصعيد النفسي يحدث فيه الشفاء من كل مرض نفسي أو عضوي، وذلك بإخراج المكبوتات من اللاوعي ووضعها في الوعي، فتعرف أنك شخص واع وترى أنك تنشط عندما تكون بين خيارات متعددة، لأنه يرفع عملية التبصر والتحليل لديك.

وهذا المفهوم للوعي لا يفهمه ويدركه إلا قلة من البشر، فليس كل من حاز شهادة عليا وكثرت معلوماته ارتقى لمراتب الوعي، لأن الشخص الواعي قد يكون فلاحا في بستانه أو صيادا في قاربه أو شخصا بسيطا جدا مستمتعا بلحظته فيعيش الحب والبهجة والبركة، كما أن تدفق الطاقة لديه يسري سريانا عجيبا، فتجده منسجما مع الكون، يعيش في سكون، ويدرك ما يشعر به ويراقب أفكاره جيدا، ويتماشى مع طاقة الحياة وسريان الكون.

فالوعي هو الحضور في اللحظة والوجود، والإنسان الذي لا ينفك عن التفكير هو شخص غير موجود في خط الزمن، فبعكس ما قال ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لأن وجوده كجسد مادي دون وعي ليس وجودا، فالواعي هو من يتحكم في السيطرة على حياته وأفكاره، كذلك الوعي هو الحب غير المشروط لكل ما في الكون، ومساحة من الغفران والتسامح، لأن من الفطرة الأساسية التي جئت بها للحياة أن تعيش كالأطفال تخاصم ثم تضحك في الوقت نفسه.

والواعي يدرك أن الحياة ليست عادلة ولا ظالمة، بل هي تتوافق مع ذبذباته وطاقته في اللحظة، والواعي متحمل لمسؤوليات حياته، فلا يلوم ولا يتذمر ولا يشتكي من شيء، وإذا تعرض لموقف ما يرجع إلى الداخل ويسأل نفسه لماذا تعرضت لهذا الموقف؟ أو لماذا ظهر مثل هذا الشخص في حياتي؟ والكون دائما مرآته يعطيه كي يوقظه فيعود إلى اللحظة وإلى ذاته.

والوعي حالة من السلام العميق والصفاء والنقاء، وتجربة روحية تجعل المرء غير متعلق بالحياة بحيث لا يجزع عندما يخسر الأموال، ولا يحزن عندما يُرفض أو يفشل في علاقة ما، بل يكون القبول لجميع المراحل والتجارب التي يمر بها، وأن يحب نفسه ولا يضعها في مواقف تعذبه وتجعله خارجا عن ذاته.

وهناك علاقة بين الوعي والانتباه والتركيز، فالوعي ضروري للتغيير وأساس لاسترداد الذات، ولن يتغير الشخص طالما يحمل الأفكار نفسها والمشاعر نفسها والسلوك نفسه، فكن واعيا بفكرك ومشاعرك ومتحكما في ردات فعلك.