المستثمرون الذين تابعوا الخطاب الأخير لرئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين بحثاً عن مؤشرات على احتمال رفع معدلات الفائدة في الأجل القصير أصيبوا بخيبة أمل، وقد حرصت يلين على توجيه رسالة أكثر أهمية وهي أن سياسة مستقبل الاقتصاد الأميركي لن تكون كما كانت في الماضي. ومن خلال معالجتها للمستقبل الوشيك أوضحت رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي أن موقف المجلس في الأجل القصير يتمثل بالترقب والمتابعة، تماماً كما كانت الحال قبل الخطاب، وفي تحولها الى الفكرة الأساسية للمؤتمر السنوي للسياسة الاقتصادية عالجت يلين مسألة أكثر أهمية.
الاقتصادات السائدة اقترحت منذ زمن طويل اختلافاً أساسياً للعمل بين السياسة النقدية والسياسة المالية، ومن السهل تغيير معدلات الفائدة، وبالتالي يمكن استخدامها بشكل جيد من أجل الدورة الاقتصادية في الأجل القصير، كما أن الضرائب والإنفاق العام ينطويان على خيارات صعبة وعواقب واسعة، وكانت النقطة الرئيسة في كلمة يلين هي أن هذه الطريقة في التفكير يجب أن تتغير.وتجدر الإشارة الى أن الضغوط الديموغرافية وتباطؤ نمو الإنتاجية يؤثران سلباً على مستقبل معدلات الفائدة، وهذه ظاهرة هيكلية على أي حال، ونتيجة لذلك يتوقع الخبراء أن تبلغ الصناديق الفدرالية بشكل وسطي 3 في المئة في الأجل الطويل مقارنة مع متوسط من أكثر من 7 في المئة في الفترة ما بين 1965 و2000، وهذا يعني أن مجلس الاحتياطي الفدرالي في انكماشات المستقبل لن يتمكن من خفض معدلات الفائدة بالنسبة ذاتها.
قدرة السياسة النقدية
ولكن هذا الانخفاض في قوة السياسة النقدية ليس سيئاً بالقدر الذي يبدو عليه، من وجهة نظر رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، كما أن معدل الـ3 في المئة هو متوسط الأجل الطويل، ونقطة البداية بالنسبة الى خفض معدلات الفائدة ستكون أعلى في أغلب الأحيان، ويوجد لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي أدوات جديدة للسيطرة على الجوانب النقدية مثل التيسير الكمي ودفع معدلات الفائدة على الاحتياطيات الزائدة، وما يدعى بالتوجيه المتقدم. وتجدر الإشارة الى أن معدلات الفائدة يمكن أن تنخفض الى ما دون الصفر في الدول الأوروبية واليابان. وفي كل وضع، على أي حال، تبرز صعوبات كبيرة وخطيرة، فبعد أن تمت تجربة معدلات الفائدة السلبية لم تظهر النتائج نجاحاً لافتاً، كما أن الإرشاد المتقدم يتسم بصعوبة خاصة إزاء تحقيق الحصيلة الصحيحة في الولايات المتحدة لأن صناع السياسة في مجلس الاحتياطي الفدرالي يندر أن يتفقوا على رأي واحد، إضافة إلى أن فكرة التيسير الكمي التي يرافقها تضخم أسعار الأصول وخطر العواقب غير المتعمدة يجب أن تصبح أداة قياسية للسياسة النقدية.ما البديل؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة ما البديل إذاً؟ يتعين أن يكون الجواب إنه يكمن في السياسة المالية، وفي حالات الانكماش الحادة مثل التي شهدها العالم في سنة 2008 تلجأ الحكومات الى التحفيز المالي على شكل إجراء طارئ، لكن التحدي يتمثل بجعل السياسة المالية أداة أكثر فائدة لإدارة الاقتصاد الواسع في ظروف أقل حدة، بحيث تحمل المزيد من الأعباء التي تتعلق بشكل تقليدي بالسياسة النقدية. ومن المؤكد أن هذه العملية لن تكون سهلة، وتنطوي الاحتمالات على إصلاح النظام الضريبي بطرق تجعل العوائد أكثر حساسية إزاء وضع الاقتصاد، كما أن نقل قاعدة الضريبة من الدخل إلى الاستهلاك سيخدم ذلك الغرض. وينسحب الشيء نفسه على الإنفاق الأعلى لمساعدات البطالة والبرامج الأخرى التي تستجيب للتباطؤ بصورة آلية، وستمثل ترتيبات الكونغرس الرامية إلى تسريع العمل المؤقت في عدد محدود من مبادرات الضرائب والإنفاق قيمة كبيرة أيضاً.ولكن لا بد أن نتذكر أن تعزيز السياسة المالية لأغراض الدورة العكسية أظهر استحالة تطبيقه، ويتعين مقاومة تلك الحصيلة على أي حال.