حديث القراطيع
لم أشأ أن أدلي بدلوي المتواضع حين صدر ما عُرف بتصريح القرطوع من أحد الشباب، فقد كنت على أمل أن قرار رفع الدعم عن البنزين قد يتم التراجع عنه، كما أن الردود حينها قد تشخصنت كثيراً وارتفعت حدتها، ثم انتهت كما بدأت، فالناس هنا من كثرة الأحداث والأفلام ولِيَهضموا الواقع تُلاحظ عليهم قليلاً من صفات المشروبات الغازية؛ يفورون في بداية كل حدث ومناسبة، ثم تركد النفوس، والهون دائماً أبرك ما يكون. أما اليوم، وبعد الفاتح من قرطوع الأول، وقد دخل القرار حيز التنفيذ ووصلنا لمرحلة الجد، فلا يعنيني الرد على صاحب رأي القرطوع شخصياً، بقدر ما يعنيني ذلك على من يشاركونه أفكاره أو يؤيدونه، فهو بالنهاية لم يكن سوى بالون اختبار لامتصاص الضربة الأولى، تخفيفاً من أثر الضربات اللاحقة.فيا سيدي، يا من تحمل الفكر القرطوعي، إذا أردت أن تكلمني بالعواطف، والكويت التي تستاهل، ومن حقها علينا، وإلى آخر هذه المواويل الكليشيهية المكررة، فأنا على استعداد لأن أزيدك أكثر من هذا، وأجعل ليلك نهاراً، ودموعك أنهاراً، وأرفع منسوب عواطفك الوطنية لدرجة تجعلك تتمنى أن تعبر خط بارليف، أو تكون شهيداً في أسرع وقت ممكن. لكن الأمور لا تجري هكذا، والموضوع أبسط من ذلك بكثير، حتى لو نُمق بالمصطلحات الاقتصادية المُعقدة لتغطية سوء الإدارة، ولِيبدو شكلُه أكبرَ من فهم المواطن البسيط الذي لا يعرف مصلحة البلد التي لا أحد يعرفها غيركم؛ فلن ترهبني بعجزكم الاكتواري، ولا ميزانكم التجاري واختلالاتكم الهيكلية. ما يعرفه البسطاء، وأنا منهم، ونراه رَأي العين التي لا تكذب أن هناك مئات المناقصات والمشاريع التي يجب إعادة النظر في قيمتها وطريقة ترسيتها، والعديد من فواتير الترضيات والامتيازات السياسية والاجتماعية التي تخصم من رصيد الدولة المالي، والكثير من المناصب القيادية وشبه القيادية برواتب خيالية، ولا أحد يعرف معايير التعيين فيها، ولا ننسى تقارير ديوان المحاسبة التي تعج بالمخالفات والهدر اللامعقول، فضلاً عن العلاج في الخارج، بالطبع، والذي يمكنك مراجعة مقالي السابق لتعرف رأيي فيه وفي وزيره. ثم، وبعد أن تغلق كل هذه "المرازيم" التي تصب في بطون من لا يستحق، تعال اسأل عن قرطوعي... وأنا من عيوني عشان الكويت مثل ما إنت عارف.