وأنا أشاهد فيلم "العبقري" للمخرج مايكل جرانديج عن علاقة الكاتب توماس وولف والمحرر ماكس بيركنز لم أرَ سوى حياة افتراضية لروائي عاش في عصر العباقرة ولم يعش طويلاً. وُلد وولف عام 1900، وتوفي عام 1938، وكتب أربع روايات، منها تلك التي تناولها الفيلم "باتجاه الوطن" و"عن الزمن والنهر". تلك الحياة التي ركزت على حياته الشخصية وسيرته الذاتية، والتي صورها الفيلم كعادة نقل الشخصيات المهمة إلى السينما. وربما لا يطالب صناع الفيلم بوضع الحقائق دائما، لكن هناك حقائق يعرفها القراء عن الشخصية وسيرتها الذاتية التي تنقلها عادة مصادر أخرى غير كاتب السيرة الذي نقل الفيلم عنه.
على سبيل المثال، كانت عشيقة الكاتب الشاب توماس وولف ألين بيرنستاين أكبر منه بثمانية عشر عاما، وهي لا تشبه بحال من الأحوال نيكول كيدمان. في المقابل، ركز الفيلم على اختيار ممثلين قريبي الشبه من توماس وولف وإرنست همينغواي وسكوت فيتزجيرالد.الحقيقة الثانية، أن الخلاف بين دار النشر والمؤلف كان أيضاً مادياً، رغم العلاقة الأبوية التي ربطت بين المحرر والمؤلف. كان توماس وولف روائيا ترك تأثيرا كبيرا على جيل "البيت" Beat Generation وعلى زعيمهم الروائي جاك كارواك بالتحديد. وكما اعتمد وولف سيرته الذاتية أساسا لعمله اعتمد كارواك سيرته الذاتية وحياته الصاخبة مع أصدقائه في نيويورك أساسا لكتابة روايته الأشهر "على الطريق". وفيما ترك توماس وولف نيويورك إلى باريس، هربا من النقد الذي يتوقعه لعمله، جلس كارواك وصديقته حتى الفجر تحت عمود النور ينتظران النسخة الأولى من مراجعة "نيويورك تايمز" للرواية. كانت تلك المراجعة، ومن هذه الجريدة تحديدا، سمة دخول المؤلف إلى الانتشار. وحتى اليوم تقدم دور النشر رواياتها بعبارة أعلى الرواية "الأكثر مبيعا حسب نيويورك تايمز". كان توماس وولف يكتب بالقلم الرصاص، وغالبا فوق الثلاجة في الفيلم، وينقل عمله بصناديق إلى المحرر، فيما كان كارواك يكتب روايته على ورق "رول" متصل ببعضه.العلاقة الرئيسة التي تناولها الفيلم، هي علاقة المحرر بالكاتب. لقد رفضت دور النشر جميعها نشر عمل توماس وولف، حتى تبرع ماكس بيركنز للعمل مع المؤلف، مشترطا أن يضعه تحت رحمته. ومن دون شك أن بيركنز خريج هارفارد، وتوماس وولف كذلك، وكان محررا في "نيويورك تايمز" قبل أن ينتقل إلى العمل مع دار "سكريبنر"، وهو يمتلك ملكة اكتشاف مواهب شابة، كما فعل مع همينغواي وفيتزجيرالد اللذين كان ظهورهما في الفيلم هامشيا وغير مقنع. كان على المؤلف أن يتنازل عن صفحات طويلة من روايته دون أن تجدي محاولته في الدفاع عن إبداعه أو نظرته الأدبية للعمل مقابل نظرة السوق القرائية لها. وعمل قلم الرصاص الأحمر كثيرا في الأصل الذي قدمه الكاتب، حتى إن مجموع ما شطب من الرواية يعادل روايات كاملة، وما بقي منها أقل من نصف الرواية التي صدرت، ولم ينشر النص الأصلي للرواية لنقارن بينهما. كان ما يشغل المحرر الأدبي ليس العملية الأدبية، إنما الحجم المقبول للقراءة في زمنه. فلم يكن الزمن زمن الحرب والسلام لتولستوي، وليس زمن البحث عن الزمن المفقود لبروست. ورغم أنني أشعر بالميل الكامل للمؤلف، إلا أنني أتفق مع المحرر والناشر في قراءة زمن الرواية التي يتعامل معها.
توابل - مزاج
حياة الكاتب فيلماً
04-09-2016