بعد أيام من دخول قرار رفع أسعار البنزين حيز التنفيذ، بدأت الأصوات النيابية البحث عن مخارج من حالة الاستياء الشعبي تجاه الزيادة، تراوحت بين تهديد بالاستجواب مع بداية دور الانعقاد المقبل، إن لم تتراجع الحكومة عن القرار، واقتراحات بتقديم كوبونات أو دعم مالي للمواطنين فقط لتغطية تلك الزيادة.

وتنال فكرة كوبونات البنزين قبولاً نيابياً، إذ عبر أكثر من نائب عن توجه لتقديم اقتراح الكوبونات (منحة أو علاوة)، لامتصاص الغضب الشعبي، وكان لمبلغ الـ20 ديناراً الحضور الأقوى في التصريحات النيابية كدعم مادي على هيئة كوبون، أو كدعم مالي يقدم للمواطنين فقط، لكن هذا المبلغ قابل للارتفاع، لاسيما بعد أن نال سخرية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي.

Ad

من جهتها، أكدت الحكومة في أكثر من بيان وتصريح رفضها فكرة خلق نظام أسعار موازٍ للتعرفة الجديدة، بيد أنها لم تغلق أبواب المفاوضات مع النواب بشأن فكرة الكوبونات، لتتجاوز التصعيد الشعبي أولاً، وثانياً لتعطي انطباعاً بأنهم، أي النواب، انتصروا للمواطنين عبر تعويضهم مالياً لتغطية فارق الزيادة.

ولم يتطرق أصحاب فكرة «كوبونات البنزين» لآلية منحها للمواطنين، فهل ستقتصر على الموظفين بالقطاعين العام والخاص فقط، أم سيضاف إليها المتقاعدون وطلبة الجامعات و»التطبيقي» كذلك؟ أم أن التوزيع سيكون لكل من يحمل رخصة قيادة سارية المفعول، وهي الفكرة الأقرب، لأنها تشمل جميع الفئات السابقة؟

وبحسب آخر إحصاء رسمي صادر عن الإدارة العامة للمرور حول عدد رخص القيادة السارية للكويتيين بنهاية 2015، فإن هناك 568025 رخصة سارية يحملها الكويتيون، وإذا ما قُدِّم لكل قائد مركبة دعم بنزين بـ20 ديناراً شهرياً، فإن إجمالي كلفة نظام الدعم سيصل إلى 136 مليوناً سنوياً، وهذا المبلغ، بالتأكيد، قابل للزيادة مع منح رخص جديدة سنوياً يقدر عددها بـ20 ألفاً بحسب معدل إحصاء السنوات الثلاث الماضية.

وفي موازاة ما كانت الحكومة تطمح إلى توفيره من تقليص دعمها للبنزين بما يتراوح بين 135 و145 مليون دينار سنوياً، فإنها قد تدفع دعماً إضافياً ليتجاوز إجمالي كلفة الدعم الوفر المحقق من زيادة أسعار البنزين، وفي أفضل الأحوال فإن الوفر - في حال تطبيق نظام الكوبونات- لن يتجاوز 15 مليوناً سنوياً.

ولا يتوقع أن تقف اقتراحات قيمة الكوبونات عند سقف 20 ديناراً، خاصة أن الوزراء والنواب والقياديين يحصلون على دعم شهري للبنزين يصل إلى 100 دينار بحسب وظائفهم، وبالتالي فإن النواب سيكونون في حرج أمام الشارع لحصولهم على دعم يفوق كثيراً أضعاف ما يطالبون به للمواطنين، وهو ما من شأنه أن يرفع سقف الاقتراحات ليصل إلى 100 دينار شهرياً.

ووفقاً لأرقام رخص القيادة السارية أعلاه، فإن كلفة الكوبونات في حال بلغ الدعم 100 دينار شهرياً، أسوة بالنواب، ستصل إلى 680 مليوناً سنوياً! أي أن الحكومة التي كانت تبحث عن وفر يبلغ 140 مليون دينار ستنتهي إلى دفع 540 مليوناً من المال العام لتغطية كلفة الكوبونات!

إلى ذلك، أبدى عدد من النواب تأييدهم لاقتراح النائب فيصل الشايع إلغاء كوبونات البنزين المجانية التي تُمنَح للنواب والوزراء والقياديين في الدولة.

وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية النائب كامل العوضي دعمه لاقتراح الشايع، مطالباً الأمانة العامة لمجلس الأمة ومجلس الوزراء بوقف صرف هذه الكوبونات فوراً.

وجدد النائب أحمد القضيبي مطالبته بعدم صرف السيارات للنواب والمسؤولين بالدولة، «ووقف أي امتيازات يحصلون عليها، ومن بينها كوبونات الوقود».

وأيد رئيس لجنة الأولويات النائب يوسف الزلزلة اقتراح وقف صرف الكوبونات؛ «تحقيقاً لمبدأ العدالة والمساواة بين الجميع».

غياب العدالة

ينطوي اقتراح عدد من النواب منح المواطنين كوبونات لتعويضهم عن رفع أسعار البنزين على درجة عالية من غياب العدالة، لاسيما عند مقارنة مناطق سكن المواطنين بمقار عملهم.

فمثلاً، كيف يمكن تحقيق العدالة في منح تلك الكوبونات بقيمة موحدة «20 ديناراً» لمواطن يقطن في الجهراء ومقر عمله في العاصمة مع مواطن آخر يقطن في المنصورية ومقر عمله في مجمع الوزارات؟ أو كيف تتحقق العدالة بين رب أسرة لديه يومياً العديد من التنقلات العائلية مثل إيصال أبنائه إلى المدارس، وأعزب حركة تنقلاته محدودة أو أقل ضرورة من رب الأسرة؟

المشكلة أن الاقتراحات النيابية تصطدم أحياناً بأبسط قواعد المنطق، ومن ثم تعمق المشكلة أو تفرز مشكلات أخرى.