أول العمود:

Ad

قياديو الدولة أصبحوا يروجون واجباتهم الوظيفية على أنها انتصار إداري، ومن بين ذلك تحصيل الديون المتأخرة للوزارات!

***

مجلس الأمة كمؤسسة تشريعية ورقابية، وكما كتب المحلل والدبلوماسي السابق أ. عبدالله بشارة، تحول إلى جهاز خدمي، ولم يستمر كما بدأ في الستينيات، وهنا يمكن الحديث عن بيئة الانتخاب البرلماني التي يوفرها الوضع السياسي السائد للناخب، ويبدو أن القول بسوء أداء البرلمان قول فاسد إذا لم يتطرق للمسببات، فالناخب اليوم ليس حرا في الاختيار ويفتقد شروطا أساسية في العملية الديمقراطية، ومنها البيئة السياسية الخالية من التدخلات والضغوط التي يصنعها المال السياسي، وتوظيف الخدمات الوزارية لأغراض سياسية، إضافة إلى إذكاء النفس الطائفي والعائلي والقبلي.

عدم الرضا الذي يبديه بعض الناخبين من تشكيلة البرلمان بعد إعلان النتائج، وخصوصاً البرلمان الحالي، في محله لأنها نتائج مخطط لها مسبقا، فليس كل الناخبين على قدر من الوعي وقدرة على مقاومة المال السياسي والمنافع الخدمية التي تأتيه من الحكومة عبر النائب أو المرشح.

مجلس الأمة ليس كما بدأ، هذه حقيقة يجب أن ندركها جيدا، فالبيئة التي بدأ بها البرلمان تم تجريفها وتخريبها بتعمد، ولا يمكن الحديث عن برلمان فاعل مع تكتيف للصحافة والكتّاب وجمعيات النفع العام وترهيبها، وتجيير وزارات الدولة الخدمية لأغراض انتخابية بحتة.

قد يبدو الأمر بريئا من التدخلات، ونحن نرى صور الناخبين في وسائل الإعلام وهم في طوابير التصويت وإعلان النتائج، لكن الصور تخبئ الكثير من عدم الشفافية.

هذا الوضع الذي يمارس فيه الناخب عملية اختيار من يمثله في البرلمان وضع فاسد لا تستطيع عملية الاقتراع تجميله، هو بحاجة إلى قوى سياسية تعي خطورة الحالة السائدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولديها المصداقية لتكون في موقع يقدم وعيا بأهمية أن نصنع معا حياة آمنة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

وأولى المهام الصعبة لبناء الوعي السياسي تطبيق القوانين دون استثناء، ووضع مسألة المال العام في مكانها الطبيعي، وإعادة تعريفه كما يجب بعد سنوات من استباحته واستخدامه وقودا للصراعات والهدر والاستحواذ. فالملاحظ في المشهد السياسي اليوم أن جل الصراعات ومبارزات استعراض القوة تدور حول المال العام وكيفية استغلاله بشكل غير رشيد من الدولة (العلاج في الخارج نموذجا) أو لكونه موضوعا لصراع كتل متنفذة في المشهد الاقتصادي (المناقصات نموذجا) أو تقديمه للمواطن لحل أزمة (الكوادر المالية للموظفين نموذجا).

ماذا يفعل المواطن الشريف في يوم الاقتراع؟ هو يختار من يعتقد أنه يملك المقاومة للمغريات ويستطيع أن يشرع ويحاسب وفقا للدستور، لكن هؤلاء قلة، وتشكيلة البرلمان تعكس نسبتهم الضئيلة بين الناخبين، فماذا يعني وجود عدد كبير من النواب في المجلس الحالي ممن ليس لهم أي نشاط عام في المجتمع قبل نجاحهم في الانتخابات، وليس لهم أي تأثير في المجلس بعد نجاحهم؟!