في الأسبوع الماضي، سجل المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب تقدماً نادراً على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، في أحدث استطلاعات الرأي التي أجريت بشأن الانتخابات المنتظرة وفرص المرشحين فيها.

وفي الاستطلاع الذي أجرته مؤسستا "رويترز" و"إيبسوس" المعتبرتان في مجالات مسوح الرأي، على عينة من الأميركيين، في الفترة من 22 إلى 26 يوليو الماضي، ظهر أن 39% من المستطلعة آراؤهم أكدوا منح أصواتهم لترامب، في ما أشار 37% إلى أنهم سيصوتون لمنافسته كلينتون.

Ad

يعد هذا هو التقدم الأول الذي يحققه ترامب على حساب منافسته المخضرمة كلينتون منذ شهور، وهو الأمر الذي يشير إلى تطورات مهمة أدت إلى هذا التغير في مزاج الناخبين.

من جانبي، لا أعتقد أن استطلاعات الرأي السابقة كانت تعبر عن موازين قوى حقيقية على الأرض في ما يخص حظوظ المرشحين، ولطالما عولت على التغطية الإعلامية المساندة لهيلاري في موازاة التحامل الإعلامي الظاهر ضد ترامب.

بتحليل خطاب ترامب الإعلامي يظهر أن الرجل يتبنى أسوأ القيم، وأنه غير منضبط سياسياً، ولديه مواقف مشينة خصوصاً تجاه الأقليات والمسلمين.

ورغم أنه يتبنى خطاباً يهاجم الإسلام السياسي بوضوح، ويؤيد الإجراءات التي تتخذ ضد الممارسات المستندة إلى التفسيرات الدينية المنغلقة في عدد من البلدان، فإن خطورة تصريحاته واضحة، خصوصاً في ما يتعلق بمستقبل السلم والأمن الدوليين والقيم الديمقراطية التي تتبناها واشنطن، في حال وصل إلى الحكم.

لكن مع ذلك، فإن الإنصاف يقتضي القول إن الرجل يتعرض لهجمات إعلامية واسعة وتناول سلبي يؤثر في فرصه، التي تعززها التطورات التي طرأت على المجتمع الأميركي، الذي بات أكثر اقتراباً من القيم التي يدعو إليها ترامب، مع بروز أعراض "الإسلاموفوبيا"، والنزعة التعصبية، والميل العنصري، والخوف على الهوية ونمط المعيشة، وغيرها من العوامل التي تصب في مصلحة الاتجاهات المحافظة واليمينية المتشددة.

عندما وصل باراك أوباما إلى سدة الحكم في بلاده، بوغت كثيرون، كانوا يعتقدون أنهم أكثر معرفة ودراية بالسياسة الأميركية، وميول المواطنين الأميركيين، والاعتبارات التي تحكم اختياراتهم الأساسية.

بعض كبار المحللين لم يصدقوا أبداً أن الأميركيين يمكن أن ينتخبوا مواطناً أسود ليحكمهم، وآخرون عولوا كثيراً على مخزن التصويت المحافظ، خصوصاً في جنوب البلاد ووسطها، للإطاحة بهذا الشاب، وتبديد فرصته.

لكن قطاعاً كبيراً من الإعلام الأميركي كان مع أوباما بكل تأكيد.

يؤدي الإعلام دوراً مهماً وحاسماً في تشكيل الصور، وفي حمل الناس على التصويت في اتجاه معين في الانتخابات.

وفي ذلك الصدد، يتفق باحثو وخبراء إعلام غربيون على أن التغطية الإعلامية للعمليات السياسية والاجتماعية المختلفة تؤدي دوراً كبيراً في تشكيل اتجاهات الجمهور تجاه تلك العمليات، بشكل ربما يفوق تأثير بعض المؤثرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحيوية الأخرى.

كما أظهر العديد من البحوث أن أكبر نسبة من الجمهور تستقي معلوماتها في شأن الأنشطة السياسية من الإعلام بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي يزيد من أهمية التغطية الإعلامية للعمليات السياسية، ويضع تأثيرها في المرتبة الأولى في أوقات الانتخابات خصوصاً.

وفي هذا الصدد يؤكد الخبير الأميركي غراهام رامسدين، أن "الدراسات العلمية أثبتت أن التغطية الخبرية للعمليات الاجتماعية المختلفة تؤثر في اتجاهات الجمهور وربما تقوده إلى اتخاذ قرارات ودعم أو رفض سياسات بعينها".

وهو الأمر ذاته الذي يوضحه بول كروغمان بقوله: "كان يمكن للانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2000، أن تنتهي بنصر مؤزر لآل غور، لو لم يتخذ الإعلاميون موقفاً سلبياً منه".

وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية 2008، كان هناك اقتناع كبير لدى قطاعات أكاديمية وسياسية وبين صفوف الجمهور بأن إتقان أوباما، وأركان حملته، التعاطي مع وسائل الإعلام كان أحد الأسباب الرئيسة وراء نجاحه.

والواقع أن قيام بعض وسائل الإعلام بدعم أحزاب ومرشحين معينين في الانتخابات يحدث في مختلف دول العالم، لكن الخطر الكبير ينشأ عادة حين يحرف الإعلام مواقف الناخبين، ويحملهم على تبني مواقف بعينها.

قبل أسبوعين، كانت المواطنة الأميركية "بيغي أوفرمان"، تقف في صف طويل، انتظاراً لدخول مقر تجمع انتخابي لترامب، في ولاية كارولينا الشمالية. لقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن تلك المواطنة قولها: "كل الذين أعرفهم يقولون إنهم سيصوتون لترامب، فلماذا يشيع الإعلام أنه يلقى معارضة ونفوراً؟".

متحدث آخر قال للوكالة: "الجميع ضد واحد. إنهم يعملون ضد ترامب في الإعلام. بات المرء يخاف الاعتراف بأنه سينتخب ترامب حتى لا يُتهم بالجهل والعنصرية".

يبدو أن ترامب أيقن أن الإعلام يتكتل ضده، ولا بد أنه أدرك أن هذا التكتل يمكن أن يطيح عالمه، وينهي فرصه في الفوز بنتائج الانتخابات الرئاسية.

تظهر صورة ترامب في الإعلام كأسوأ ما يكون؛ إذ لم يتلق مرشح رئاسي إهانات مثلما حدث مع هذا الرجل منذ عقود طويلة.

لذلك، فقد أجرى تغييرات جذرية على سياساته الإعلامية؛ حيث أطاح بمسؤولي حملته، وعين قيادة جديدة، وفي التجمع الانتخابي الأخير الذي حضره نهاية الشهر الماضي، حرص، للمرة الأولى، على أن يقرأ كلمة مكتوبة، ولا يرتجل، حتى لا يتورط في المزيد من الأخطاء، بل إنه فعل ما هو أكثر من ذلك، إذ اعتذر من الجمهور، لـ"التجاوزات" التي ارتكبها في حق آخرين، خلال خطاباته وتصريحاته المرتجلة وغير المدروسة.

بعد تلك التعديلات التي أجراها ترامب، ها هو يحرز تقدماً واضحاً في استطلاع الرأي الأخير، وهو الأمر الذي قد يعزز سياساته الإعلامية الجديدة.

هيلاري ليست أفضل خيار للأميركيين بطبيعة الحال، لكنها أقل أخطاء من ترامب، وتظهر صورتها في الإعلام بشكل أفضل بكل تأكيد.

فهل تكون تلك الانتخابات أيضاً دليلاً جديداً على تصاعد قوة الإعلام في عالم السياسة؟

وقبل سنوات، سئل جوزيف ناي فيلسوف "القوة الناعمة": "من يربح المعركة؟"، فأجاب: "من تربح قصته في الإعلام".

* كاتب مصري