لورانس أوف أربيا

نشر في 05-09-2016
آخر تحديث 05-09-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم توماس إدوارد لورانس الشهير باسم "لورانس أوف أربيا"، المعروف بملك الجواسيس، شخصية غريبة مريبة تثير الشك والأسئلة، كيف يتحول شخص تربى تربية أرستقراطية، وعاش حياة مرفهة، وتعلم تعليماً عالياً بأفضل المدارس والجامعات، وسكن بأرقى أحياء أكسفورد، وكان له مربية خاصة علمته الفرنسية، وحينما شعر الده بنبوغه بنى له غرفتين في حديقة منزلهم، كي يمنحه عزلة للكتابة والتفكير، بعيدا عن ضجيج إخوته.

غريبة هي الدوافع التي سيطرت عليه وغيرت مجرى حياته، فكل معطياتها كان من الممكن أن تخلق منه شخصية مختلفة عن الشخصية التي أصبح عليها.

لورانس أوف أربيا ولد 16 أغسطس 1888 وتوفي في مايو 1935 عن عمر 46 سنة، عمل فيها الكثير، ولو امتد به العمر ربما كانت مصائبه على العرب أكثر، ففي سنوات قليلة استطاع التغلغل في الحجاز والبلاد العربية، وفهمهم تماما وعرف كيفية التعامل معهم، حتى توصل لما يريده منهم، واستطاع تدمير خطوط السكك الحديدية التركية التي كانت تربطها بهذه الدول، وبقطع الإمدادات عن القوات العثمانية أدى إلى نصر قوات الثورة العربية الكبرى التي صبت في مصلحة بريطانيا، وبالتالي أدت إلي احتلال الدول العربية، وإنشاء دولة إسرائيل بعد تنفيذ وعد بلفور.

ولم تكن وعوده للعرب إلا كذبة كبيرة منه، وهو ما جاء بهذه الفقرة من كتابه: "كان عليّ أن أشترك في المؤامرة، وقد جازفت بالاحتيال اعتقادا مني بأن العون العربي ضروري للوصول إلى نصر سريع وقليل التكاليف في الشرق، الربح مع الإخلال بالعهد أفضل من الخسارة".

الغريب كمية مشاعر الحقد بداخله على الإسلام، على الرغم من أنه لم يتربى كمسيحي متزمت، وقد ولد نتيجة علاقة والده مع خادمة منزلهم وأنجب منها أولاده الخمسة، من ضمنهم لورانس، في ذاك العصر الذي كان ينظر بتحريم كبير لمثل هذه العلاقات، ومع هذا لم يتزوج والده أمهم، وهذا يعني أنه تربى تربية ليس لها علاقة بالدين، فما الدافع لكراهية الإسلام لديه؟

يقول: "لو تمكنا من تحريض العرب على انتزاع استقلاليتهم من العثمانيين فجأة وبالعنف لقضينا على خطر الإسلام إلى الأبد، ودفعنا المسلمين إلى إعلان الحرب على أنفسهم، فنمزقهم من داخلهم وفي عقر دارهم، وسيقوم نتيجة لذلك خليفة للمسلمين في تركيا وآخر في العالم العربي ليخوضا حربا دينية داخلية فيما بينهما، ولن يخفينا الإسلام بعد هذا أبدا".

انتبه لورانس إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن تدخل القوات الأجنبية مباشرة سيُفقد الثورة تأثيرها، ويثير الروح العقائدية، ويمنع كثيراً من مؤيدي الثورة من محاربة الأتراك المسلمين، لذا أوهم العرب بأن بريطانيا تساعدهم فقط لتحررهم من السيطرة التركية، وكأنه لا مأرب لهم فيها، وعاش مع العرب وتعلم لغتهم ولبس ملبسهم وأكل أكلهم وأصبح واحدا منهم حتى وصل إلى ما يريده.

عاش لورانس حياة صعبة قاسية، تعرض مرات كثيرة للموت والسرقة، ومع هذا أكمل مشواره المتعب هذا، حتى أُصيب بانهيار عصبي وتلقى إنذاراً بتجميده عن العمل، وفي النهاية مات في حادث تصادم عندما كان عائداً من أكسفورد على موتورسيكل، ويقال إن الحادث كان متعمداً.

زرت منزله الصغير المسمى "كلاودز هيل"، أي هضبة السحب، المشيد في وسط الغابات، والوصول إليه عبر قطع طريق طويل بمقاطعة دورسيت الجميلة، الخالية من المنازل، فيها مبانٍ عسكرية مسيجة بالأسلاك الشائكة تنتهي بكوخه، عبارة عن غرفة جلوس فيها كتبه، وغرفة نومه ومطبخ صغير وحمام.

مبنى متواضع جداً، لكنه عاش فيه لأجل أن يكتب بهذه العزلة. وفي الحديقة دراجته التي عبر بها فرنسا كلها.

هناك مؤسسة فيها 500 عضو من بريطانيا، وأيضاً هناك أعضاء من 20 دولة حول العالم، وبإمكان أي أحد الانضمام لها، للحديث والنقاش وتبادل المعلومات عنه، كما أن هناك اجتماعاً يتم كل سنتين في مدينة أكسفورد لتبادل المعلومات والحوار حول هذي الشخصية الغريبة الشاذة. كما يوجد له متحف لمتعلقاته ومخطوطاته وتمثال له.

في حديقة الكوخ نُصبت خيمة (بيت شعر) بدوية يجلس في داخلها صورة مجسمة له، وهو مرتدٍ الثياب العربية الدشداشة والعقال المقصب والحزام وخنجره على خصره، وأمامه دلال القهوة والشاي والتمر والمخبوزات العربية، يقدمها لزواره، وكأن هذه الصورة هي سحر العرب كله.

back to top