قاتل الله الظروف التي تُجبر المرء على ما لا يطيق، فالواجب المهني يُحتم مشاهدة الأفلام، التي تُعرض في كل موسم، مهما كان مستواها. من ثم، كان عليّ أن أتجرّع مرارة العلقم وأنا أتابع فيلم «30 يوم في العز»، الذي طُرح في موسم عيد الفطر المبارك.

كانت الصدمة كبيرة عندما اكتشفت أن مخرجه هاني حمدي هو الشاب الذي نوهت إليه، فور مشاهدتي تجربته المثيرة في فيلم «الدساس» (2014)، وأن المؤلف سيد السبكي أفلس تماماً، ولم يعد قادراً على الدوران في فلك الموضوعات الهابطة التي اعتاد تقديمها، فما كان منه سوى أن لجأ إلى اجترار مشاهد من أفلام كتبها سابقاً، مثلما فعل عندما فاجأنا باقتباس مشاهد طبق الأصل من فيلم «حصل خير»، الذي كتبه عام 2012، وكأنه يسطو على نفسه!

Ad

العجيب أن بداية فيلم «30 يوم في العز» كانت مشجعة للغاية، عندما قدمت لنا «الغزولي» (هشام إسماعيل) نزيل السجن الذي يُخطط لتهريب الرباعي المحكوم عليهم بالسجن لمدة عشر سنوات :{عدوي العدوي» (أحمد فلوكس)، «سلوكة الأموح» (سليمان عيد)، «منسي» (سعد الصغير) و{عطوة القرد» (محمود الليثي)، بالإضافة إلى «سيد بلكونة» (طاهر أبو ليلة)، لأجل القيام بمهمة تستغرق 30 يوماً، تتمثّل في حماية امرأة أجنبية (صافيناز) من نجل زوجها، الذي يرغب في الاستيلاء على الفيلا التي ورثتها عن والده، وإعادة فتح الملهى الليلي الذي أغلقه!

عنوان الفيلم فيه إشارة فجة إلى أن الثلاثين يوماً التي سيعيشها الخماسي الهارب في فيلا الراقصة اللعوب ستصبح «30 يوماً في العز»، وتتواصل الفجاجة مع تصوير «صافيناز» بوصفها آلهة الجمال التي يتصارع الجميع للفوز بها. وفي حين توحي بداية الفيلم بأن «وراء كل مصيبة امرأة» مسؤولة عن اقتياد الرجال إلى السجن، كالزوجة اللعوب «فايزة» (نهى صالح) التي أجبرت زوجها «عطوة» على قتلها، و{سمنة» المجنونة التي لوثت يد خطيبها «منسي» بدم أبيها، و{توحيدة» (نيرمين ماهر) التي دفعت فتاها «عدوي» إلى اغتيال غريمه، بينما اندفع «سلوكة الأموح» إلى قتل أخيه لأن الأب ورثه وحده ثم استأثر بحب الأم، ينقلب السيناريو على هذا كله، بمجرد ظهور شخصية «شوقية» (صافيناز)، التي برر الفيلم، بسذاجة، اسمها العجيب بأنه «اسم كودي».

تعثّر الفيلم مع ظهور الراقصة الأرمينية، وخادمتها البدينة «بوسي» (شيماء سيف)، فالفرقة أقامت في الفيلا وتنافس أعضاؤها لاقتناص «صاروخ الإغراء الجديد»، باستثناء مشاهد متفرقة ومفتعلة اقتحم فيها «أدهم» نجل الزوج الراحل الفيلا للثأر من «فرقة التدخل السريع»، وأخرى لوح فيها «أدهم» بذهب المعز لإقناع «عدوي» بالتخلي عن «شوقية». ولما اكتشف «السبكي» أن الملهى الليلي مُغلق، حسب مقتضيات الدراما، ولن تتوافر فرصة للزج بالمشهد التقليدي للمغني الشعبي والراقصة والمخمورين، اهتدى إلى حيلة درامية شيطانية للبطل الذي يحلم بالغناء مع الراقصة، كما حدث مع سعد الصغير ومحمود الليثي، وهو ما فعله سابقاً في فيلم «حصل خير»!

في «30 يوم في العز»، يتورّط عسكري برج المراقبة في تهريب المساجين من دون مبرر يُذكر، ويتحدث سليمان عيد اللهجة البورسعيدية من دون سبب يُعقل، وتستخرج شيماء سيف رصاصة وكأنها ممرضة محترفة، ويتمثل «فلوكس» صورة الفتى المثالي، مفتول العضلات، وابن البلد الشهم، من دون مقومات تؤهله لذلك، وبأداء تغلب عليه العصبية، وعدم فهم لطبيعة الشخصية، فلا اختلاف عنده بين «عدوي العدوي» و»أنور وجدي»، وبركاكة يقول: «اللي يخلي الحريم تجارته يا خسارته»، فضلاً عن الإيحاءات المنحطة للسيناريست في مشهد دخول «الليثي» إلى الحمام، والتهافت السياسي في القول إن إنقاذ «شوقية» يكمن في «لم شمل الأشقاء» في العراق وليبيا والسودان واليمن، والفيلم يوظف الصوت والصورة لإضفاء هالة غير طبيعية على الراقصة الأرمينية، ففي خلفيتها صورة مارلين مونرو، وتقول بوقاحة: «أنا نعمة واللي يكرهها يعمى!».

مرة أخرى يلجأ سيد السبكي إلى البارودي Parody، إذ يتعمّد المحاكاة الساخرة للأفلام الشهيرة، مثل: {عمارة يعقوبيان}، {الكيف} و{رمضان فوق البركان}، الذي استعار منه أغنية الزنزانة {سلام مخصوص لأسطى اللصوص}، فضلاً عن تأجيج نار الفتنة بين جمهور ناديي الأهلي والزمالك، واسترجاع مشاهد الصفعات التي تلقاها {الليثي} في أفلام {السبكية}. أما السخرية من بدانة ممثلة (شيماء سيف) فتجاوزت الحدود، ولا أعرف كيف صمتت على هذا الكم من التطاول الوقح، والإهانات المتعمدة، التي لا يرضى بها عاقل!

لا يخلو فيلم {30 يوم في العز} من إفيهات سخيفة واسكتشات مبتذلة، كعادة الأفلام التي يكتبها سيد السبكي، لكن المأساة تكمن في مخرج كان يعد بالكثير، وانحرف عن الطريق المرسوم، بعدما انتظر طويلاً، ولما تأخرت الفرصة ولم تأت، آثر الاستسلام!