يبدو وجه ماريا مرسيدس كوروي في Ixcanul جميلاً، هادئاً، خالياً من أي تعابير، حتى إنك تخاله منحوتاً. رغم ذلك، تلاحظ عليه علامات اضطراب أو ما يوحي بالعبوس، ما يشكّل إشارة إلى الصراع الأساسي الذي يعتمل تحت سطح هذه القصة الهادئ.

لا شك في أن هذا الأمر يلائم أحداثاً تدور في ظل بركان، مع أنه يظل خامداً طوال الفيلم، فيتحوّل بالتالي إلى عنصر جمالي أكثر منه خطر محدق في خلفية المشاهد الشاملة المميزة التي يلتقطها المصور السينمائي لويس أرماندو أرتيغا.

Ad

تعني الكلمة Ixcanul البركان بالكاكشيكل، لغة المايا التي تتحدث بها شخصيات الفيلم الرئيسة: عائلة صغيرة تعمل في حصاد البن وتعيش في مزرعة في مناطق غواتيمالا العالية النائية.

خُطبت الفتاة ماريا إلى رئيس العمال في المزرعة إيغناسيو (خوستو لورنزو)، لأن زواجاً مماثلاً يضمن مستقبلها، فضلاً عن مستقبل والديها خوانا (ماريا تيلون) ومانويل (مانويل أنتون).

صحيح أن ماريا تجاري أهلها في هذه الخطبة، إلا أنها تنجذب إلى عامل شاب في المزرعة يُدعى بيبي (مارفن كوروي). وعندما تنقاد وراء مشاعرها ذات ليلة وتظهر من خلف الظلال بصمت وكلها عزم على إغراء الشاب الثمل، ندرك بوضوح أن هذه الرغبة الشبابية تخفي وراءها مسعى عملياً. ترى ماريا في بيبي، الذي يحلم بالهجرة إلى الولايات المتحدة، فرصة تحقيق حلمها بحياة أفضل.

لكن التطورات تأخذ منحى معاكساً، وتتردد عواقب سلوك ماري القاسية خلال ما تبقى من Ixcanul، معقدةً مسألة زواجها الوشيك من إيغناسيو ومهددةً آمال عائلتها الضئيلة بالعيش.

تدفعنا هذه القصة نحو المأساة والألم، تترك الأحداث تأثيراً أعمق في ماريا نفسها، إذ تُرغم هذه المرأة الشابة على رؤية كل شيء (من جسمها إلى مكانها في عالم أكبر وأكثر غموضاً مما تخيلت) بوضوح جديد مؤلم.

يضفي بوستامانتي، الذي ترعرع في هذه المناطق النائية ويتحدر من أصول أوروبية وأميركية-هندية، طابعاً درامياً على شخصياته ونمط حياتها التقليدي بانغماس قوي حاد، فتشعر باحترام المخرج للموضوع الذي يتناوله من خلال وتيرته الدرامية الهادئة، إبرازه الطقوس المعتمدة في الحياة اليومية، وفريقه القوي الذي يتألف من ممثلين غير محترفين من المايا. فعلى غرار أصوات العالم الطبيعي الجامحة التي تستحوذ على موسيقى هذا الفيلم، يشدك أداء الممثلين غير المحترف إنما العفوي إلى عالم يبدو، من خلال عاداته المتبعة وأساطيره وخرافاته المترسخة، كما لو أنه كان قائماً قبل زمن طويل من أن يقرر بوستامانتي تشغيل كاميرته وتصويره.

في هذا العالم المليء بالأراضي الوعرة والتراب الأسود المختلط بالرماد، يحمل مشهد عادي تظهر فيه أنثى حيوان وهي تُدفع إلى داخل الحظيرة لتتزاوج مع الذكر إشارة واضحة إلى حياة الزواج والحمل التي تنتظر ماريا.

على نحو مماثل، نستشف كثيراً من المعاني من لعنة الأفاعي المنتشرة في أراضي المزرعة كما لو أنها تجلٍّ لقوى تسعى إلى إبقاء هؤلاء السكان الأصليين أسرى الفقر والقمع. أضف إلى ذلك حاجز اللغة الذي يفصل مجتمع المايا عن العالم الأوسع الناطق بالإسبانية.

إشارات رمزية

يحفل العمل بإشارات رمزية، إلا أنه لا يبالغ في تسليط الضوء عليها. لكن ما يميز حقاً Ixcanul، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي عام 2015، حيث فاز بجائزة ألفرد باور {لفتحه أفقاً جديداً}، تطرقه إلى ثقافة نائية مغمورة بطريقة بعيدة كل البعد عن التلطيف والتبسيط. على العكس، أعدّ بوستامانتي فيلماً لا يمت بأي صلة إلى الصراع القديم القائم بين التقاليد والحياة العصرية، مقدّماً في الوقت عينه لمحة تقييمية قاسية عن كلتيهما.

يحتقر العمل أمثال إيغناسيو الانتهازيين في العالم، إلا أنه ينتقد أيضاً الجهل المتعمَّد والتفكير السلطوي المهيمنين حتى داخل عائلة ماريا.

ولكن حتى عندما ينتقل Ixcanul من التصوير الإثني الهادئ إلى عالم المأساة الحميمة المخفية، فإنه يحفل بطاقة نسائية بالغة القوة ومبرَّرة بالتأكيد، فبطلة الفيلم الحقيقية ليست ماريا بل خوانا، التي نجحت تيلون بمهارة في تصويرها كركيزة في العائلة ثابتة وعاقدة العزم تتحلى بقلب كبير، مع أنها تقر بحدود ما تعرفه.

وفي اللحظة الأكثر تأثيراً في القصة بأكملها، تحتضن خوانا ابنتها بين يديها وهما جالستان تبكيان في صندوق شاحنة منطلقة، فيما تتجهان نحو مستقبل مجهول. وفي تبدل جذري واضح، نلاحظ أن الكاميرا، التي كانت ثابتة طوال الفيلم، تهتز وترتجف قربهما، كما لو أن جبل البركان تحرك ودبت فيه الحياة ولو للحظة.