«الأماكن»... وراحة من السياسة

نشر في 06-09-2016
آخر تحديث 06-09-2016 | 00:05
بدأت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل من مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، وفي عام 1974 صدر قرار كريم بنقلي للعمل في تلك المدينة الرائعة، وأثناء عملي هناك تلقيت دعوة كريمة من أحد الأصدقاء من مدينة «أسمرة» عاصمة أريتريا، وفي اليوم الثاني من الزيارة قامت ثورة عسكرية أطاحت بحكم الإمبراطور «هيلاسلاسي».
 يوسف عبدالله العنيزي لنأخذ بعض الراحة من السياسة والكآبة ودائرة العنف التي تلفعنا بردائها في منطقتنا، ومع كل المحبة والتقدير لمطرب العرب الأستاذ محمد عبده، وأغنيته الرائعة «الأماكن» التي شدا بها ورددها معه المواطن العربي الذي يستهويه اللحن الرائع والكلمات المؤثرة والطرب الأصيل، وليعذرنا الأستاذ الفاضل لاستعارة اسم أغنيته كعنوان لهذا المقال الذي نقوم من خلاله بجولة في بعض الأماكن التي سعدت بزيارتها أو العمل بها، ولعلها تكون جزءاً من رحلة الألف ميل.

في الفترة من 1996 إلى 2000 توليت مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية في مدينة كراكاس عاصمة جمهورية فنزويلا الصديقة، كانت فترة حافلة بالسفر والتنقل بين عدد من دول أميركا الجنوبية والشمالية وأميركا الوسطى وجزر بحر الكاريبي والباهاما وغابات الأمازون.

من الجزر الرائعة التي سعدت بزيارتها جزيرة «أروبا» التي تشتهر بجسرها الطبيعي الذي قامت أمواج بحر الكاريبي بنحته، فغدا جسرا طبيعيا يربط بين الساحلين بمنظر خلاب، في الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وهي تتبع مملكة هولندا يعيش بضعة آلاف من المسلمين، وقد تقدموا بطلب للحكومة لبناء مسجد ومركز إسلامي، ولكن لم يتم الرد عليهم، في تلك الأثناء قامت وزيرة العدل في الجزيرة بزيارة رسمية لجمهورية فنزويلا، وقد انتهز مجلس سفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدين في فنزويلا في ذلك الوقت تلك الفرصة، وقاموا بتقديم دعوة للوزيرة لزيارة مسجد «الإبراهيم» الذي بُني على نفقة خادم الحرمين الشريفين المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والذي غدا مفخرة معمارية بمآذنه المتعددة الشامخة والحدائق الرائعة التي تحيط به وصالاته المتعددة الاستخدامات.

أبدت الوزيرة إعجابها بالمسجد والمركز الإسلامي، ووعدت بالنظر في الطلب المقدم من بعض المسلمين في الجزيرة، أثناء إقامتي في مدينة كراكاس كلفت بتمثيل دولة الكويت في حفل تنصيب فخامة رئيس جمهورية كولومبيا السيد موريس باسترانا، وكنت أتولى وقتها منصب سفير محال لدولة الكويت لدى ذلك البلد الصديق.

بعد انتهاء حفل التنصيب الرائع أبلغني المرافق الكريم الذي يشغل رتبة عالية في سلاح البحرية بأني مدعو في المساء إلى حفل عشاء مع شخصيات رائعة ومكان نادرا ما تجد له مثيلا، وهكذا استقللنا السيارة التي راحت تنهب الأرض بسرعة فائقة، وبعد ما يزيد على الساعة وقفنا أمام بوابة حديدية، حيث قام السائق بإعطاء نداء معين من بوق السيارة ففتحت البوابة ودخلنا إلى ذلك «القصر... لا شاتوا». في الصالة الرئيسة جلس عدد من الشخصيات على شكل حلقات، وعند الاستفسار من صاحبي عن كنه هذه اللقاءات أفاد بأنه من خلالها تُعقد صفقات تجارية لا حد لها، وتشمل كل شيء تقريبا بما فيها النفط والسلاح والذهب، وكل ما يخطر على بالك، كانت تجربة فريدة من نوعها ولقاء مع شخصيات متميزين في بلدانهم وعلى مستوى العالم.

ومن ناحية أخرى فقد بدأت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل من مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، ففي عام 1974 صدر قرار كريم بنقلي للعمل في تلك المدينة الرائعة، وأثناء عملي هناك تلقيت دعوة كريمة من أحد الأصدقاء من مدينة «أسمرة» عاصمة أريتريا، وكانت وقتها لا تزال جزءا من إمبراطورية الحبشة، وبناء على تلك الدعوة الكريمة فقد غادرت مدينة جدة بواسطة الخطوط الجوية السعودية في رحلة استغرقت 1.30 ساعة، في اليوم الأول من الزيارة قمت بجولة في شارع «روما» وعلى جانبيه أكبر المحلات التجارية، وفي اليوم الثاني من الزيارة وعند محاولتنا الخروج من الفندق لاحظت وجود سيارات مصفحة وبعض الجنود الذين منعونا من الخروج، وعند الاستفسار من موظف الاستقبال أبلغني بقيام ثورة عسكرية أطاحت بحكم الإمبراطور «هيلاسلاسي» وصدر قرار بمنع التجول، وعليه فلم نتمكن من مغادرة الفندق على مدى يومين، وفي اليوم الثالث غادرت الفندق متوجها إلى مكتب الخطوط الجوية السعودية، وقد سعدت بلقاء مدير المكتب الذي كان على مستوى عال من الأدب واللباقة، فأبلغني بأنه تقرر إجلاء المواطنين السعوديين والخليجيين، وبناء عليه فستصل إلى أسمرة نحو الساعة الواحدة ليلا طائرة خاصة، وستغادر مباشرة بعد اكتمال صعود الركاب، وقد وصلت الطائرة في موعدها، حيث غادرنا أسمرة التي امتلأت شوارعها ومطارها بالمظاهر العسكرية، وبعد ما يقارب الساعتين حطت الطائرة على أرض مدينة جدة، فتنفس الجميع الصعداء في رحلة الحياة والأمل.

وقد صادفت أوضاعا مماثلة مع «ثورة» ولكن من نوع آخر، ففي أثناء عملي سفيرا لدى جمهورية فنزويلا وسفيرا محالا لدى جمهورية الإكوادور كُلفت بتمثيل دولة الكويت في حفل تنصيب الرئيس الجديد المنتخب جميل معوض، وهو من أصل لبناني، عند وصولي إلى مدينة كيتو العاصمة رأيت في المطار حركة غير طبيعية مع وجود عسكري، فتبادر إلى ذهني تلك الثورة التي عشت بعض فصولها في أسمرة، سألت مستقبلي وهو من إدارة المراسم في الخارجية عما إذا كان البلد يواجه ثورة فرد بالإيجاب، ولكنها ليست ثورة عسكرية بل ثورة بركان كيتو، ولم أدرِ وقتها أي ثورة كانت أهون لي؟

أعدت النظر إلى ساحة المطار، وحاولت أن أقارن ذلك بما نشهده الآن في عالمنا العربي والإسلامي لعلماء وخبراء من هيئات علمية وجامعات عالمية توافدوا على هذه المدينة لدراسة ظاهرة طبيعية لمواجهة ما يمكن لحماية الإنسان، والمحافظة على أرواح البشر، أتوا وهم يحملون على أكتافهم الكاميرات فائقة الدقة، ويلفون أجسادهم بأجهزة الرصد والتسجيل، في حين يتوافد على منطقتنا من يحمل المدفع والصاروخ والرشاش ليدمر ويقتل وينحر ويحرق ويمزق الأطراف دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق، ولا نملك إلا أن نقول اللهم رحمتك أقرب من عذابك، فلا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.

وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

في أثناء عملي سفيراً للكويت لدى جمهورية فنزويلا صادفت «ثورة» من نوع آخر

مسجد «الإبراهيم» الذي بُني في مناطق بحر الكاريبي على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مفخرة معمارية
back to top