ميركل ولوبان... إحداهما ستصوغ مستقبل أوروبا
لطالما كانت استراتيجية ميركل المناهضة للوبان خفية في جزئها الأكبر، ولكن في شهر مايو عبّرت هذه المستشارة بشكل واضح عن رفضها لها، فخلال خطاب ألقته في مدرسة الليسيه الفرنسية في برلين، أعلنت أنها ستعمل على إبقاء «القوى السياسية الأخرى أكثر قوة من الجبهة الوطنية، إن كان ذلك ممكناً من الخارج».
تحمل امرأتان مختلفتان، ليست بينهما تيريزا ماي، كل الاختلاف مستقبل أوروبا بين يديهما، إذ تندلع معركة الفوز بروح أوروبا بين أنجيلا ميركل ومارين لوبان، فنشهد اليوم صداماً بين شخصيتين ورؤيتين: المستشارة الألمانية مقابل زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، التي تُعتبر الحزب اليميني الأكبر في أوروبا، وفي حين تستعد بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي يكتسب دور البعد الفرنسي- الألماني في تحديد مصير القارة الأهمية الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة. فما يحدده هذا البعد أساسي: ما إذا كانت أوروبا قادرة على الاستمرار كمشروع، وما إذا كان بالإمكان إنقاذ مبادئ رئيسة، مثل حكم القانون، والديمقراطية، والتسامح، حيث ستُخاض هذه المعركة على صعيد وطني عام 2017 خلال الانتخابات البالغة الأهمية التي ستُعقد في فرنسا وألمانيا، إلا أن هذه الانتخايات ستمس كل الأوروبيين.يعيش خصم مارين لوبان الأقوى خارج فرنسا: أنجيلا ميركل، إذ تكره لوبان ميركل، وتمقت ميركل لوبان، وتتواجه هاتان المرأتان في صراع على صعيد أوروبا كلها.
لم يسبق لميركل ولوبان أن التقتا، وما من سبب يساهم في لقائهما هذا. في السنة الماضية جلستا ذات مرة قرب بعضهما في البرلمان الأوروبي، إلا أن ميركل لم تلتفت إلى لوبان، معبرةً عن ازدرائها لها، وفي ذلك اليوم صبت لوبان جام غضبها على هولاند، واصفة إياه بـ«نائب المستشارة الألمانية» الخاضع، بعد أن ندد بالشعبوية في خطابه.لهاتين المرأتين قاسم مشترك واحد لا غير: عمق قناعتهما السياسية، فقد بدت أنجيلا ميركل راسخة في رسالتها عن أن الترحيب باللاجئين يشكّل خطوة صائبة، في المقابل تندد لوبان «بأسلمة القارة المتفشية»، كذلك ترغب ميركل في إنقاذ المشروع الأوروبي، في حين تقف لوبان بزخم وراء قوى تسعى إلى تقويضه (أخبرت أخيراً شبكة «سي إن إن» أن فرنسا تحوّلت إلى «مقاطعة» في الاتحاد الأوروبي). تدعم ميركل أيضاً الروابط عبر الأطلسي، أما لوبان فمعجبة بروسيا خلال عهد بوتين، حتى إن حزبها يشغل محور الشبكات الموالية للكرملين في أوروبا، وخصوصاً المالية منها. على صعيد مختلف تستمد لوبان عقيدتها من اليمين المتطرف التاريخي في فرنسا، أفكار شارل مورا، والعنصرية الاستعمارية، في حين أن ميركل ابنة رجل دين بروتستانتي تشكّل الحريات الفردية بالنسبة إليها قيماً بالغة الأهمية. فضلاً عن ذلك اعتادت لوبان تسليط الضوء على واقع أنها امرأة مطلقة تدخن السجائر (في محاولة منها لتظهر بمظهر المرأة العصرية) في تباين واضح مع أسلوب ميركل الأكثر تحفظاً، مع أن ذلك لا يعني أن شخصيتها أقل قوة.لطالما كانت استراتيجية ميركل المناهضة للوبان خفية في جزئها الأكبر، ولكن في شهر مايو عبّرت هذه المستشارة بشكل واضح عن رفضها لها، فخلال خطاب ألقته في مدرسة الليسيه الفرنسية في برلين، أعلنت أنها ستعمل على إبقاء «القوى السياسية الأخرى أكثر قوة من الجبهة الوطنية، إن كان ذلك ممكناً من الخارج»، وشكّلت كلماتها هذه تعليقاً صريحاً لم نعتده من ميركل، وسارع داعمو لوبان إلى اتهام المستشارة بالتدخل في السياسات الفرنسية، لكن ميركل لطالما ربطت التفاعلات الشعبوية التي أدت إلى بروز لوبان بنهوض حزب «البديل من أجل ألمانيا» الألماني اليميني المتطرف، الذي يهدد بقلب السياسات في بلدها.ناتالي نوغايريد - Natalie Nougayrède