المحرر الأدبي غائب!

نشر في 07-09-2016
آخر تحديث 07-09-2016 | 00:00
 طالب الرفاعي فيلم "العبقري-Genius" من إخراج "ميشيل غراندغ-Michael Grandage"، وبطولة "كولن فيرث-Colin Firth" بدور المحرر الأدبي "ماكس بيركنز-Maxwell Perkins" و"جودي لو-Jude Law" بدور الكاتب "تومس وولف-Thomas Wolfe" يتطرق إلى قضيتين أساسيتين هما؛ علاقة الكاتب بالمحرر الأدبي، وكذلك العارضة الشاهقة والمتأرجحة التي يسير عليها الكاتب في علاقته بكتابته من جهة، وبعائلته من جهة أخرى.

قضية علاقة المحرر الأدبي بالكاتب عبر النص ما زالت تحبو وببطء شديد في عالمنا العربي، بافتراض وجودها. ففي أفضل دور النشر العربية، لا يوجد محرر أدبي بالمعنى الغربي المتخصص، وأقصى ما يمكن أن يقدمه الناشر العربي للكاتب، هو دفع نصه لمصحح لغوي لتدقيق الإملاء وشيء من القواعد، وربما علامات التنقيط. للمحرر الأدبي في دور النشر الغربية أهمية قصوى توازي أهمية الكاتب نفسه. فالمحرر الأدبي يتمتع بذائقة قراءة نقدية حادة تركن إلى سعة اطلاع أدبية، مثلما يعمل بخبرة متخصصة في مجال تحرير المادة الإبداعية. هذا مجتمع من جهة، إضافة إلى إحاطته العملية بمتطلبات سوق النشر والقراءة من جهة ثانية. لذا، فحين يتسلم النص الإبداعي يقرأه بعين ثاقبة، وقد يتدخل حذفاً وتغييراً فيما يمس بنية العمل الأصلي للكاتب. فإذا ما أخذ بعين الاعتبار التجارة الرائجة للكتاب في الغرب، وحاجة الكاتب، وما يمكن أن يجني من النشر، فإن الكلمة العليا تصبح للمحرر، خصوصاً في حالة الكاتب الناشئ.

يُنظر لتدخلات المحرر الأدبي بشكل إشكالي، فهناك من يرى عدم أحقيته بالتسلط على كتابة إبداعية مكتملة تخص غيره. وإعمال مبضعه القاسي في نص ليس من مخيلته. كما أن كثيراً من الكُتاب يشعرون بامتعاض كبير، لقيام المحرر بحذف أجزاء من رواياتهم أو مجموعاتهم القصصية، حيث يرون أن ذلك يشكل إهانة أو تدخلاً ممجوجاً في أعمالهم. بينما هناك وجهة نظر أخرى تعطي المحرر الأدبي كامل الصلاحية لممارسة حقه الوظيفي بخبرته الواسعة في تنقيح نصٍ ما، بغية إخراجه بالشكل الأنسب للقارئ. وما بين هاتين الوجهتين المتعاكستين تبقى قضية المحرر الأدبي قائمة. لكن، ما يعنيني هنا، هو ضرورة أن ينتبه الناشر العربي إلى الضرورة القصوى لوجود محرر أدبي متخصص وقادر على أن يكون جسراً بينه وبين الكاتب. فوسط شلالات الكتب العربية، وخاصة الرواية، التي لا يستحق بعضها قيمة الورق المطبوع عليه، يغدو الأمر ملحاً وواجباً.

حياة الكاتب قد تبدو مغرية للبعض حين ينظر إليها من الخارج. لكن اقتراباً كاشفاً منها يظهر المأزق الحياتي الاجتماعي الذي يعيشه كل كاتب مخلص لكتابته وفنه. فالكتابة الإبداعية تحديداً لا تحتمل أي منافسة من أي طرف آخر، وهي بحاجة لبحث متجدد ودائم في أصول الفن وعوالمه وخباياه. وكأن حياة الكاتب يجب ألا تتعدى القراءة والكتابة، وفيما بينهما بحثه المشروع عن كيفية تقديم عمل جديد يتجاوز ما سبقه، ويلاقي نجاحاً مؤملاً لدى القارئ.

فإذا ما أدخل لذلك حياة الكاتب الاجتماعية، بدءا بمسؤوليته تجاه أفراد عائلته، وتالياً علاقاته الاجتماعية، فإن مأزقاً إنسانياً موجعاً يتربص بكل كاتب. ومن خلال علاقاتي بمجموعة كبيرة من الكُتاب والفنانين حول العالم، يبدو المأزق متحققاً ومؤلماً في تشتت الكاتب وتوزعه بين عشقه لفنه ولهفته على معايشة القراءة والكتابة. وبين انتمائه لزوجة يحبها ومسؤولياته تجاه أطفال يتمنى لو قضى أوقاتاً بينهم. وهنا أتكلم عن المرأة والرجل، عن المبدع بشكل عام. وكم يبدو المشهد على أرض الواقع دالاً في تحطم حياة المبدعين العائلية، ومن ثم تحطمهم تحت وطأة انتزاع أنفسهم من حضن من يعشقون.

الكاتب العربي مشتت بين أسرته وكتاباته، والمحرر الأدبي المتخصص غائب عن مؤسسات النشر. وفي كلتا الحالتين كان الله في عون الكاتب.

back to top