بعض الصمت قاتل لأنه يخفي في طياته هموما كبيرة لا تُحكى، ولأنها لا تحكى تظل قابعة في خلجات النفس تعذب صاحبها رغم أنه ضحية، صمت يفرضه عليه الخجل الاجتماعي والعادات والتقاليد، التي تتستر على انحراف بعض الأهالي.

إن انتشار ظاهرة زنى المحارم وتفشيها بالكثير من المجتمعات، لا سيما المتشددة إسلاميا، لهو أمر مرعب، ولكنها تتم دون أن تحرك الأسرة أو المجتمع ساكنا، وذلك لأن أحد أفراد الأسرة هو الجاني، ولهذا الخوف من أن يعرف المجتمع هكذا تصرف منحرف ومخجل يتم التستر عليه.

Ad

تنتشر هذه الظاهرة بسبب عوامل كثيرة، منها الانحلال الأخلاقي، والفقر أحيانا الذي يجمع أفراد الأسرة جميعا في غرفة ضيقة، وأحيانا بسبب اضطرابات نفسية لم تعالج كالفصام وغيره، ولكن المجني عليه في هذا الجرم لا يستطيع البوح، وذلك لشعوره بالعار من كون الجاني الأب أو العم أو الأخ أو الخال، ويتعرض للتهديد من قبل الجاني، مما يعزز قوته واستخدامه للتهديد، لا سيما أن مجتمعه الصغير لن يصدق المجني عليه، لأن الجاني لديه مكانة أعلى في العائلة سواء كان أبا أو معيلا للأسرة أو الأكبر سنا وهكذا.

حاول باحثان هما آدم ونيل (1967) أن يدرسا هذا الأمر من الناحية البيولوجية البحتة فقاما بتتبع حالة 18 طفلا كانوا ثمرة زواج محارم، فوجدا أن خمسة منهم قد ماتوا، وخمسة آخرين يعانون تخلفا عقليا، وواحدا مصاب بانشقاق في الشفة وسقف الحلق، وهي نسبة مفزعة خصوصا إذا عرفنا أن العيوب الخلقية في عامة الأسوياء نحو 2% وأغلبها تكون عيوبا غير ملحوظة.

لذلك خلص هذان الباحثان إلى أن زنى المحارم لو انتشر فإنه يمكن أن يؤدي إلى انتهاء الوجود البشري من أساسه، وربما يكون هذا جزءاً من الحكمة من التحريم الديني والتجريم القانوني والوصم الاجتماعي.

ويوصي علماء النفس الأشخاص الذين يريدون مساعدة ضحايا زنى المحارم بأن ينتبهوا إلى إشارات الاعتداء الجنسي، وأخذ الضحايا على محمل الجد، إذ إن أسوأ ما يمكن أن تقوم به هو إنكار مزاعم الطفل، حتى لو ظهرت القصة التي يرويها غير واضحة ومرتبكة، فهذا لا يعني بالضرورة أنها غير صحيحة.

من باب الوقاية، يقول علماء النفس إنه من المهم تعليم الأطفال في سن مبكرة مخاطر بعض الأفعال، هم لا يقصدون تغطية الفتيات الصغيرات حتى أمام المحارم، كما يعظ بعض رجال الدين، بل تعليم الأطفال أنه من الخطأ أن يلمسهم أي شخص في مناطق حساسة، وأن من حقهم دائما أن يقولوا «لا».

لكن الحاجة لوجود جهة سواء أمنية أو مراكز لإيواء الضحايا ضرورية، لأنه من الصعب أن يعيش الفرد بشكل يومي مع من جنى عليه ويستمر بالتعرض لهذا الاستغلال الجنسي الذي سيتسبب بآلام نفسية عميقة قد تخلف مغتصبا أو جانيا أو شخصا كارها للحياة والناس.

قفلة:

الوقاية خير من العلاج، يتعمد الكثير من الأهالي تجاهل شكوى أطفالهم وتلميحاتهم إلى أنهم تعرضوا لتحرش، البداية دوما هي التحرش، وإن ووجهت بقوة فستمنع أي اغتصاب كان سيتعرض له، ووجود خط ساخن لسماع المجني عليه وتعليمه كيفية التعامل مع هذا الموضوع حاجة ملحة، فزنى المحارم لم يعد مجرد حالة بل امتد ليصبح ظاهرة شرسة في الكثير من مجتمعاتنا مع كل أسف!