من وجهة النظر الوطنية تُعتبر ولاية مكلنبورغ فوربومرن الألمانية الشمالية بعدد سكانها الصغير الذي لا يتعدى 1.6 مليون نسمة غير ذي شأن أو أهمية، أو على الأقل هكذا كانت تُعتبر، لكن وضعها تبدل في الآونة الأخيرة، وخصوصاً عقب الانتخابات البرلمانية في الولاية، فقد شكّلت هذه الانتخابات استفتاء بشأن المستشارة أنجيلا ميركل وسياساتها، مما جعلها بالغة الأهمية.

لكن نتائج هذا الاستفتاء لا تبدو جيدة بالنسبة إلى ميركل، فقد خسر الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني الوسطي الذي تترأسه أربع نقاط مئوية مقارنة بالمرة السابقة التي توجه فيها المقترعون إلى صناديق الاقتراع عام 2011، فقد حظي هذا الحزب بـ19% من الأصوات فقط، في حين حقق الحزب الشعبوي اليميني «البديل من أجل ألمانيا» 20.8%، علماً أن الحزب ما كان له وجود قبل خمس سنوات.

Ad

نتيجة لذلك، على ميركل اليوم تقبّل تحدٍّ لا يقل ضخامة عما واجهه سلفها غيرهارد شرويدر في منتصف العقد الماضي، ففي تلك المرحلة وجد مستشار الحزب الديمقراطي الاجتماعي نفسه عالقاً بين اضطراره إلى تعليل التخفيضات التي أجراها في مخصصات الرعاية الاجتماعية من جهة ونهوض حزب اليسار، وهو حركة سياسية إلى يسار الحزب الديمقراطي الاجتماعي أججتها تلك التخفيضات بالذات، من جهة أخرى، وفي النهاية أخفق شرويدر في مواجهة كلتا المشكلتين.

المشاعر تتفوق على المنطق

تُظهر نتائج الانتخابات أن عدداً أكبر من الناخبين، في شرق ألمانيا على الأقل، يديرون ظهرهم لنظام الحزب الديمقراطي القائم. بالإضافة إلى ذلك لا يأبه الناخبون كثيراً بتحسّن الاقتصاد، تجديد المدن، وازدهار قطاع السياحة، علماً أن هذا ما تشهده راهناً ولاية مكلنبورغ فوربومرن، التي كانت تعاني ضعفاً بنيوياً منذ وحدة ألمانيا عام 1990. كذلك من الممكن لحزب أن يؤسس حملته على الخوف من اللاجئين حتى في ولاية لا يلجأ إليها الكثير من الأجانب.

باختصار، يبدو أن المشاعر تفوقت على المنطق، فما عاد للوقائع أهمية كبيرة.

وهنا يكمن بالتحديد التحدي الذي تواجهه ميركل، التي لطالما بنت نجاحها السياسي على حجج واضحة ترتكز على الوقائع والأرقام، فعليها راهناً أن تبذل جهداً أكبر لتقدّم المزيد من التوضيحات وتنجح في التواصل مع الناس، كذلك يجب أن تضع سياساتها ضمن أطر مبسّطة ذات معنى كي تحافظ على دعم حزبها لها، فقد أوضح الاتحاد الديمقراطي المسيحي أنه لن يخفف الضغط عن ميركل في الوقت الراهن.

مشكلة ألمانيا

على العكس قد يؤدي نجاح «البديل من أجل ألمانيا» المتجدد إلى تأجيج استياء الاتحاد الديمقراطي المسيحي من ميركل، فصار على المحافظين الألمان فجأة مواجهة قوة يمينية ناشئة.

وعلى غرار حزب اليسار، لا يبدو أن «البديل من أجل ألمانيا» سيختفي كقوة سياسية في المستقبل القريب.

علاوة على ذلك وبخلاف حزب اليسار الذي اتخذ خطوات ليتخلى عن أصوله كحزب معارض شيوعي جديد، تعتمد قوة «البديل من أجل ألمانيا» على رفضه التام لنظام الحزب بشكله الحالي، لا يريد هذا الحزب التقيّد بالقواعد، بل يسعى إلى التقويض وإثارة الاضطرابات. إذاً يشكّل هذا الحزب خطراً على الديمقراطية بحد ذاتها.

لا تؤثر المشكلة التي يمثلها هذا الحزب في ميركل وحدها، ولا يُعتبر «البديل من أجل ألمانيا» مسألة على المحافظين وحدهم معالجتها، ويشكّل هذا الحزب مشكلة لكل ألمانيا.

* سيباستيان فيشر