العقوبة ليست العقاب
![مسفر الدوسري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1507745577082709700/1507745592000/1280x960.jpg)
هذه العقوبة ليست سوى مساومة لإشباع رغبة حيوانية للثأر، لكن العقاب لا يساوم، فالكذب المجرد على سبيل المثال الذي لا يؤذي أحدا، ولا يسبب لأحد ضرراً، كأن تقول رأيت شجرة توت بأجنحة تطير، وحطّت فوق سطح بيتنا وأفرغت سلالا من التوت وفاكهة أخرى متنوعة ثم طارت واختفت في الفضاء، هذا النوع من الكذب لا عقوبة له، لكن صاحبه لا ينجو من العقاب، يصبح أحد الذين لا مصداقية تعود لكلامهم، والكلام هو وسيلة التواصل الأهم بين البشر، والبطاقة التعريفية الأولى التي تقول من أنت، وقد قال الإمام علي (كرّم الله وجهه): "الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام"، وقبله قال سقراط: "تحدث كي أراك"! الكذاب حينما يُرى من خلال كلامه لن تجد صورته إحدى الصور المفضلة في ألبوم الذين تأخذ منهم عهداً، إنه أحد المحذوفين مبكراً من مفكرة هاتف الثقة وبناء العلاقات الإنسانية السوية التي تثري الحياة، يعيش حياته وحيداً شديد القرف كغثيان! أليس ذلك عقاب ينفّذ بلا عقوبة نص عليها قانون؟!إذن، العقوبة تُذكر نصاً أو استنباطاً من تفسير نص، فيما العقاب يُنفّذ حتى لو لم يُذكر نصاً، وقد ننجو من العقوبة، إما بحسن استغلال ثغرة فَهْم تخدم تفسيرنا للنص، أو بنص لاحق ينسخ ما قبله، لكننا لا ننجو من العقاب، ولا يمكننا التهرب من دفع ثمنه!العقوبة قابلة للتعديل، أما العقاب فعصي أبيّ على التعديل لسبب بسيط، هو أننا لا نعرف أبداً ماهية العقاب لأي ذنب، لأنه مجهول بالنسبة لنا، كجهلنا ما هو حكم العقاب أصلاً؟! ومن ينفذه؟! ونحن لا يمكننا تبديل أو تغيير ما نجهل ماهيته! العقاب يحكم على المذنب بالشقاء، والشقاء أكبر من أن تحصى صفاته وأشكاله، ولن نعرف من أين يأتي مصدره، هل من الدائرة المحيطة بنا أم من دائرة أبعد؟ أم ربما من ذاتنا؟!