في كتابه «فن الكتابة في زمن الديجيتال ميديا»، لفت المؤلف محمد الشرقاوي إلى اختلاف الدراسات في تحديد البداية الحقيقية للصحافة الإلكترونية، فبعضها يحدّد صحيفة «سان جوزيه ميركوري نيوز»، التي نشرها على الإنترنت مركز بحوث «ميركوري» عام 1993، وبعضها الآخر يرى أن صحيفة «لوس أنجلس» هي أول إصدار إلكتروني عام 1995، وشهد العام التالي ما يقرب من 1500 صحيفة لديها مواقع على الشبكة الدولية للمعلومات. يُعتبر الكاتب ديفيد بيرنهام في صحيفة «نيويورك تايمز» أول صحافي في مجال استخدام الكمبيوتر لتحليل السجلات العامة، إذ حلّل عام 1972 سجلات المحكمة وتقارير الاعتقالات بواسطة الكمبيوتر، وبدأ في الثمانينيات باستخدام هذا الجهاز بشكل أوسع، وراحت الصحف تعتمد على قواعد البيانات من خلال تخزين قصاصات الصحف والبيانات الحكومية والموضوعات المتخصصة.
عام 1989، طوّر إليوت جاسبين برنامجاً إلكترونياً للمساعدة في إنجاز التحقيقات وتمكين الصحافي من تحليل السجلات العامة، وبعدها صارت جائزة «بوليتزر» للتحقيق الصحافي تمنح لمن يقوم بحثه على تحليل سجلات عامة، باستخدام الكمبيوتر.
رسائل قصيرة
يُعد «أون لاين نيوز» التعبير الأكثر توصيفاً لما نسميه الصحافة الإلكترونية. غاصت مئات الكتب في التعريفات، ولم تتفق على تعريف واحد. تطوّر هذا المجال عندما صار الخلوي وسيلة مهمة للبشر، ويتلقى عليه المستخدم رسائل إخبارية قصيرة S.M.S، ويطالع أحداث العالم على مدار الساعة. وتطوّر الأمر إلى «موبايل ميديا»، وصار الهاتف الجوال ينقل الصور والفيديوهات، ويقدّم خدمة متكاملة من نص وصور وشرائط صوتية وفيلمية، وأصبحت التكنولوجيا المحمولة بمثابة المشروع الاستثماري الأهم، للمؤسسات الصحافية الطموحة.ثقافة رقمية
ظهرت الصحف الإلكترونية العربية في أول الأمر كصورة طبق الأصل من الصحيفة المطبوعة، وكانت عبارة عن صور، كي تقرأها أجهزة الكمبيوتر كافة في العالم، فلم يكن للغة العربية آنذاك الانتشار الواسع نفسه الذي تشهده اليوم، ثم تطوّر الأمر بعد دخول البرمجيات واعتماد لغة الضاد في برامج الكمبيوتر. لفت المؤلف إلى تحديات الصحافة الإلكترونية العربية، وأبرزها ضعف المحتوى في بعض الإصدارات، ومحدودية انتشار الإنترنت، على سبيل المثال لا تتعدى نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر 30 % من عدد سكانها، مع غياب ما يسمى بالثقافة الرقمية، إذ تأتي مواقع الأفلام والصور الترفيهية في مقدمة اهتمام المستخدمين العرب، وهذا لا ينفي السير بخطى سريعة في هذا المجال. كذلك تطرق المؤلف إلى تاريخ فنون الكتابة بأشكالها المختلفة، معتبراً أنها تحمل سياقات تعبيرية قابلة للتحديث، لا سيما في الشعر والقصة القصيرة والمقال الصحافي، وساق بعض التعريفات للكلمة المقروءة، وطبيعة التدرج من النسق الكلاسيكي إلى الحداثي، والاهتمام بالتكثيف السردي، وتنامي النص من دون إسهاب، والتماهي مع الإيقاع السريع لعصرنا الحالي، وتغير مزاجية القارئ وثقافته المكتسبة في فضاء العولمة وثورة «الديجيتال ميديا». انتهى المؤلف إلى إشكالية البحث عن معلومات عبر الإنترنت، وكيفية التدقيق في محتوى المنشور على مواقع «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» وغيرها، وكيف أصبحت التكنولوجيا أداة للثروة ومجالاً استثمارياً للجيد والرديء، والاستخدام لتحقيق ما يسمى الآن اقتصاد المعرفة. يذكر أن محمد الشرقاوي صحافي مصري، ترأس لفترة قطاع تكنولوجيا المعلومات في مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر المصرية، ودرّس مادة الصحافة الإلكترونية في قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان. كذلك أثرى المكتبة العربية بأكثر من عشرة مؤلفات، من بينها «الحياة على الإنترنت»، و«الشبكة الذكية السريعة»، و«إبداع بلا حدود».