أعلن رجل الدين الإيراني أحمد منتظري، نجل المرجع الراحل حسين علي منتظري، أنه تم اتهامه من قبل محكمة رجال الدين، بـ«العمل ضد أمن النظام والتآمر على البلاد»، حيث أوقف يوم الأحد الماضي وتم تبليغه الاتهامات رسمياً، قبل الإفراج عنه الاثنين بكفالة مالية تقدر بحوالي 23 ألف دولار أميركي، وهو السعر التخميني لبيته في مدينة قم، الذي اضطر إلى رهنه للخروج من السجن.وقال منتظري، في اتصال هاتفي قصير مع «الجريدة»، إن عليه المثول أمام المحكمة اليوم، حيث إنه طلب من المحكمة استشارة وكيله قبل الإجابة على الاتهامات الخطيرة، التي يمكن أن يصل الحكم فيها إلى الإعدام.
وأشار منتظري، الذي لم يرغب بالكلام أكثر عن الموضوع، إلى أن المحكمة قامت باستدعائه على خمس مراحل، قبل أن تبلغه الاتهامات الموجهة إليه في الجلسة السادسة، مضيفاً أن القاضي تصرف معه باحترام في كل الجلسات، لكنه كان يعلم أن السبب هو نشره ملفاً صوتياً لوالده.
منظّر لـ «ولاية الفقيه»
وكان آيت الله منتظري الخليفة الوحيد للإمام الخميني، من المؤسسين و المنظرين الأصليين لفكرة «ولاية الفقيه المطلقة» في إيران، وعلى أساس اصراره تمت إضافة بنود تتعلق بإعطاء «سلطة ربانية مطلقة لولي الفقيه واعتباره مندوباً للإمام المهدي» في الدستور الإيراني بعد الثورة، حيث كان منتظري رئيساً لأول مجلس خبراء القيادة.بعد ستة أيام من الإعلان عن انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988، قامت مجموعات تابعة لمنظمة «مجاهدي خلق» بهجوم مباغت على الأراضي الإيرانية مستغلة ظروف البلبلة، التي كانت موجودة في صفوف القوات الإيرانية، إثر قبول طهران وقف الحرب، وعرفت هذه العملية بعملية المرصاد. العملية فشلت، وتم قتل أو أسر المهاجمين وقامت محاكمة جميع الأسرى والمسجونين السابقين من «مجاهدي خلق» وعدد كبير من المعارضين الآخرين في السجون في «محاكم ثورية» وتم إعدامهم ميدانياً بأمر مباشر من الخميني نفسه، من خلال ما أصبح يعرف بـ «لجان الموت»، التي كانت تضم قاضياً شرعياً ومدعياً عاماً وممثلاً لوزارة المخابرات.وأعلنت الجهات الرسمية، أن عدد الذين تم إعدامهم وصل إلى حوالي خمسة آلاف شخص، لكن الجهات التابعة لمنظمة مجاهدي خلق قدرت العدد بحوالي الثلاثين ألفاً.«إيران غيت»
قبل ذلك الحين، كانت علاقات منتظري متردية بعض الشيء مع الخميني من جهة، ومتخاصمة مع المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، رئيس الجمهورية في ذلك الحين، وهاشمي رفسنجاني رئيس المجلس وقائد القوات المسلحة في تلك الأيام، ومير حسين موسوي رئيس الوزراء في ذلك الحين، حيث كان قد تم إعدام مهدي هاشمي أخو صهر منتظري و عدد من المحسوبين على منتظري؛ بعد اتهامهم بالارتباط مع الولايات المتحدة وإسرائيل، واشتراكهم في مؤامرة مشتركة وشرائهم الأسلحة منهما، فيما بات يعرف بفضيحة «ايران غيت» أو فضيحة «مك فارلين». وكان منتظري يعتبر أن خامنئي ورفسنجاني وموسوي شركاء في هذه الفضيحة، مؤكداً أن الاتفاق على شراء الأسلحة كان قد تم بين مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي في ذلك الحين مك فارلين ورفسنجاني كمندوب للخميني (واللطيف أن حسن روحاني رئيس الجمهورية الحالي كان ينوب عن رفسنجاني في تلك الاجتماعات السرية)، مشدداً على أن مهدي هاشمي كان كبش المحرقة.الاحتجاج والعزل
في عام 1989، قام آية الله حسن علي منتظري بكتابة رسالة احتجاجية شديدة اللهجة إلى الخميني يعترض فيها على الإعدامات الجماعية للأسرى والمسجونين، معتبراً أن القضاة لم يلتزموا بالقانون والشرع وأن حاشية الخميني تضلله. وتم تسريب الرسالة في ذلك الحين إلى الصحف، مما أدى إلى غضب الخميني، وأمر بعزل منتظري من منصبه كخليفة له، ووضعه قيد الإقامة الجبرية.توفي الخميني بعد ذلك بحوالي الشهرين تقريباً، لكن منتظري بقي سجين منزله حتى نهاية حياته عام 2009، حيث كان يعتبر رمزاً للمعارضة في إيران.تسجيلات محاكم الموت
منذ حوالي الشهر قام أحمد منتظري نجل آية الله منتظري بنشر تسجيل صوتي في موقعه الإلكتروني عن اتصالات بين والده وعدد من رؤساء المحاكم الثورية والمسؤولين الإيرانيين في ذلك الحين، من ضمنهم وزير العدل الفعلي بور محمدي وعلي فلاحيان وزير الاستخبارات أيام حكم رفسنجاني وغيرهم من المسؤولين العاملين في مناصب عالية في ذلك الحين وهذه الأيام، يؤكد جميعهم أن الأوامر أتت مباشرة من الخميني نفسه لتصفية جميع المعارضين، كي يكونوا عبرة لكل من يريد أن يعارض الثورة.وقام أحمد منتظري بحذف الملف من موقعه بعد ضغوط تعرض لها من الأجهزة الأمنية، لكن بعض المحطات الناطقة باللغة الفارسية قامت بإعادة نشره على الهواء وعلى الإنترنت وفي شبكات التواصل الاجتماعية.مقتطفات من التسجيلات
بحسب مقتطفات من التسجيلات التي نشرها أحمد منتظري، يخاطب آية الله حسين علي منتظري حاكم الشرع والمدعي العام لإيران ونائبه وممثل وزارة الأمن في سجن ايفين قائلا، إن «ما قمتم به أبشع جريمة منذ تأسيس النظام بعد الثورة (1979)»، محذراً الحاضرين في الجلسة من أن التاريخ سيسجل أسماءهم في قائمة المجرمين.ويروي منتظري للحاضرين في الجلسة، نقلاً عن مسؤول قضائي، أن أحد المحكومين بالإعدام أعلن براءته من تنظيم «مجاهدي خلق»، ولكن قيل له «هل أنت مستعد أن تمشي على الألغام لو طلبنا منك لنتأكد من صدق براءتك من التنظيم؟ فرد قائلاً: هل الجميع مستعدون أن يمشوا على الألغام؟ بما أني أصبحت مسلماً جديداً لا يجوز أن تسألوني هذا السؤال، وهذا الرد تسبب في تنفيذ حكم الإعدام فيه».ويخاطب منتظري الحاضرين في الاجتماع من المسؤولين القضائيين والأمنيين قائلاً: «منذ شهرين أوقفتم الزيارات، وقطعتم الاتصالات الهاتفية عن السجناء فهذا يثير العوائل. لقد حكمتم على أحدهم بالسجن ستة أعوام أو عشرة، واليوم تقومون بإعدامه دون أن يكون مارس أي نشاط جديد، وهذا يعني أن جهازنا القضائي مخطئ برمته. إن بعض القضاة راجعوني لأنهم غير مرتاحين لهذا الوضع».وخلال التسجيل، يعبر منتظري عن رفضه لإعدام النساء، يقول إن هناك سجينات كتبن طلبات استرحام إلا أنه تم رفض طلباتهن. وقال منتظري في التسجيل: «هل يظن السيد الخميني وأنتم معه أنكم تضمون النظام عبر هذه الأعمال؟ ولكن أنا أعتقد أن قتل شخص بريء واحد سيؤدي إلى هزيمة ثورتنا».