الإنفاق العسكري يتعاظم رغم أنف العجز وشعارات الترشيد!
قفزات كبيرة وصفقات مليارية تتخطى المعدل العالمي
تتمثل المفارقة في أن السحب من الاحتياطي العام لم يكن خياراً تبنته الحكومة لتغطية عجز الميزانية، بل فضّلت الاتجاه إلى سوق الديون المحلي والعالمي، واستخدم "السحب" لتمويل ملف أقل أهمية، هو الإنفاق العسكري.
مع قرب إتمامها صفقة شراء طائرات عسكرية من الولايات المتحدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وفق وكالات أنباء عالمية، تكون الكويت قد دخلت في الصفقة العسكرية «الرابعة» بقيمة إجمالية تتجاوز أربعة مليارات دينار، خلال أقل من عامين.فمن طائرات «يوروفايتر»، إلى مروحيات «كاركال»، فهليكوبترات «إيرباص» وأخيراً طائرات «إف سوبر هورنت»، يتبدى التوجه اللافت نحو الصفقات العسكرية المليارية، بينما تتزايد تحديات الميزانية وكيفية ضبط مصروفاتها وتنامي العجز، وولوج الكويت تحت سقف الديون السيادية لتغطية النفقات والمصروفات العامة، في حين يشكل الإنفاق العسكري في الكويت ما نسبته 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أصلاً أعلى من المعدل العالمي البالغ نحو 2.3 في المئة من الناتج المحلي، وذلك قبل موافقة مجلس الأمة العام الماضي على سحب 600 مليون دينار للإنفاق العسكري سنوياً من الاحتياطي العام للدولة لمدة 10 سنوات بمبلغ إجمالي ستة مليارات دينار، مما يرفع مستوى الإنفاق العسكري مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 5 في المئة سنوياً، وهي قفزة كبيرة لإنفاق متضخم أصلاً.
الاحتياطي والديون
وتتمثل المفارقة في أن السحب من الاحتياطي العام لم يكن خياراً تبنته الحكومة لتغطية عجز الميزانية، بل فضلت الاتجاه نحو سوق الديون المحلي والعالمي، وهو تصرّف مقبول نظراً إلى محدودية الدين العام وعدم الحاجة إلى التسييل أو التخارج، لكن استخدامه - أي السحب من الاحتياطي - جاء لتمويل ملف أقل أهمية، هو الإنفاق العسكري، وبالتالي فإن تمويل الصفقات العسكرية يأتي واقعاً، أولوية أعلى من ضبط الإنفاق المالي، الذي تدعي الدولة أنها حريصة على خفضه إلى مستوياته الدنيا.إحصاءات التسلح
وفق المعهد العالمي (SIPRI)، المتخصص بإعداد دراسات عن التسلح، فإن الإنفاق العسكري عالمياً عام 2015 زاد 1 في المئة ليبلغ 1.6 تريليون دولار، وسط تنامٍ خليجي بقيادة السعودية، التي باتت ثالث أكبر دولة في العالم لناحية الإنفاق العسكري، بـ87.2 مليار دولار، بعد الولايات المتحدة الأميركية 596 مليارا، والصين بـ215 مليارا، دون أن تتوافر معلومات إجمالية عن بقية دول الخليج العربي والشرق الأوسط، رغم إعلان بعض الصفقات المتفرقة لعدد من دوله، لكن بالنظر إلى بيانات السنوات السابقة، نجد أن العراق في هذا الشأن، هو الأكثر نمواً في الشرق الأوسط منذ عام 2005، بنسبة 286 في المئة حتى عام 2014، بينما ارتفع إنفاق الإمارات العسكري بنحو 135 في المئة، والبحرين 126 في المئة، وإيران 120 في المئة، والكويت 112 في المئة، في حين ارتفع إنفاق تركيا العسكري 15 في المئة فقط منذ عام 2005، واستقرت نفقات إسرائيل العسكرية منذ 2005 إلى 2014 عند معدلاتها، مع انخفاض 8 في المئة في السنة الأخيرة.ووفق تقييم المعهد، احتلت روسيا المركز الرابع بإجمالي نفقات 66.4 مليار دولار، تليها بريطانيا في المركز الخامس بإجمالي نفقات 55.5 مليار دولار، وأنفقت ألمانيا 39.4 مليارا على التسلح عام 2015، مما جعلها تتراجع من المركز الثامن إلى التاسع، بينما حلت اليابان بدلاً منها في المركز الثامن، حيث أنفقت في العام نفسه 40.9 مليار دولار، ونما إنفاق العراق على الأسلحة 35 في المئة مقارنة بعام 2014.مصالح ومنافع
نمو الإنفاق العسكري في المنطقة ليس مبرراً لتبني السياسات نفسها محلياً، فالكويت على الرغم من دخولها عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، فإن دورها ليس أساسياً كالسعودية والإمارات في العملية، فضلاً عن أن التعامل مع التحديات الإقليمية لا يرتبط فقط بحجم القوة العسكرية الدفاعية لردع أي عدوان محتمل، بل يرتبط كذلك بخلق مصالح اقتصادية لمجموعة من الدول والشركات، يمكن أن تشكل حماية من أي خطر أو تهديد خارجي، إلى جانب علاقات خارجية متوازنة مع مختلف الأطراف.فوجود مصالح اقتصادية ومالية للآخرين في الكويت ومعها عبر استثمارات أجنبية وموانئ ترانزيت وشبكات لوجستية تربط أسواق آسيا بشرق أوروبا، خصوصاً مع تضاؤل دور النفط وأهميته عالمياً، أكثر نفعاً من شراء أسلحة باهظة الثمن، والمعلومات غالباً متضاربة عن عمولاتها، وملاحظات ديوان المحاسبة فيها لا تلقى من يتبناها، فضلاً عن تضاؤل الدور الرقابي لمجلس الأمة في المحاسبة أو طلب الاطلاع على معلوماتها وتفاصيلها، بالتالي فإن فكرة حماية أي دولة عبر الإنفاق العسكري ونمو التسلح، لم تعد الخيار الوحيد لعالم تعتبر المصالح الاقتصادية فيه ضرورة قصوى.إعادة نظر
تنامي الإنفاق العسكري في زمن العجز المالي، والدخول إلى سوق الديون، مع ما يواكبهما من سياسات تقشفية على صعيدي الخدمات والرسوم يحتاج إلى مراجعة شاملة، خصوصاً أن التوسع في سياسات التسلح يأتي بعد عام من حل الحكومة شركة «الأوفست» - التي شابت أعمالها ملاحظات كثيرة - ومع الحل وعدم تأسيس شركة بديلة يضيع على الدولة عائد استثمار يوازي 30 في المئة من العقود العسكرية في السوق المحلي بمجالات التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية والتدريب وغيرها كان من الأَولى أن الدولة لها نصيب فيها، إن كانت احتمالات التخلي عن التسلح غير واردة، مع التأكيد على أن بدائل الاقتصاد والاستثمار أَولى من سباق التسلح، الذي تدور حوله الكثير من الأسئلة.
الميزانية تعوقها تحديات متفاقمة... والكويت تلج سقف الديون السيادية
خلق مصالح اقتصادية للآخرين يشكل حماية للبلاد من أي خطر
خلق مصالح اقتصادية للآخرين يشكل حماية للبلاد من أي خطر