استبشرنا خيراً عندما أُقرت قوانين الانفتاح الإعلامي منذ 10 سنوات، والمتمثلة في فتح تراخيص البث المرئي والمسموع والصحف، وتوقعنا ثورة في الحريات الإعلامية وتنوع الإبداع الفني وتطوره، كنا نأمل من القنوات الخاصة برامج سياسية بسقف أعلى ودراما بعمق أكبر تعكس المجتمع وتعرض آفاته السياسية والاقتصادية ومواقع الفساد الأخرى، بعد أن شبعنا من مشاكل الحب والطلاق وتعدد الزوجات وبكائيات القديرتين حياة الفهد وسعاد عبدالله، وبعض الأعمال الكوميدية التي أصبحت تهريجاً مخلاً بالذوق العام أو حتى جرائم، عندما يستخدم المعاقون وأصحاب الاحتياجات الخاصة في تلك الأعمال.ولكن مع الأسف... تحولت الفضائيات الخاصة، مع الأيام، إلى نسخ مكررة عن التلفزيون الحكومي بخطوطه الحمر ومضمونه وحتى عناوين نشرات أخباره، وانتهت التجربة إلى فشل ذريع، رغم محاولات جذب المشاهد عبر قضايا تتعلق بالجنس والانحرافات الأخلاقية التي فرغت جعبتهم منها، وما عادت فاعلة في جذب المشاهد لشاشاتهم.
على المستوى الدرامي كانت الخيبات أكبر، فلم تستطع قناة تلفزيونية خليجية أن تكسر "التابو" السياسي أو تعرض المشاكل الاقتصادية وتنتج مسلسلاً واحداً يعكس مشاكل المجتمعات الخليجية السياسية والاقتصادية والأحداث الضخمة التي مرت بها خلال الخمسين عاماً الماضية منذ بدء الثروة النفطية، ولا يمكن أن نعتبر ما يقدمه الفنان السعودي ناصر القصبي في مسلسلاته الأخيرة أعمالاً درامية متكاملة، بل إنها في الغالب اسكتشات تهدف إلى التنفيس وخدمة السياسات العامة للحكومات الخليجية.وعلى المستوى الكويتي الرائد في الفنون بشكل عام والمسرح والدراما التلفزيونية بشكل خاص، فإن الواقع أكثر إيلاماً وصدمة، فقد استسلم الفنان الكويتي لمشروع "الدكان"، أي الإنتاج من أجل "الدراهم"، وفقد التمرد الذي يتصف به الفنان على القيود والرقابة، وأيضاً مازالت يدا الكاتب الكويتي ترتجفان، ولا تتجاوز قصصه مواضيع الخيانة الزوجية وصراع أبناء "الحمايل" على "الورث"، وتعدد الزوجات، بينما الكويت مرت خلال العقود الماضية بأحداث سياسية وصراعات اجتماعية وطبقية وفساد سياسي وانتهاك للعدالة الاجتماعية تستحق كتابة مئات القصص المؤثرة عنها.مؤخراً شاهدت الكثير من الأعمال الدرامية المصرية، لكنني في السنوات الأخيرة لم أجد عملاً فذاً ومصوراً للمجتمع المصري ومؤرخاً لأحداثه التي مرت منذ سبعينيات القرن الماضي (وهي مرحلة الانفتاح الساداتية) وحتى منتصف التسعينيات بدقة، وشخصيات تمسح المجتمع المصري من القاع إلى القمة، وحبكة للقصة وأبعاد الشخصيات، كما فعل المؤلف والسيناريست العملاق وحيد حامد في مسلسله "من دون ذكر أسماء"، والذي شاهدته أكثر من مرة، ورصد فيه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المصري بحرفنة متناهية الدقة عن تلك الفترة... وتساءلت: ماذا لو كان عندنا وحيد حامد خليجي؟!*** رغم أنني أعلم أن الكاتب القدير وحيد حامد لديه "لزمة" في أعماله، تستهدف دائماً وضع الشخصية الخليجية في النمط السلبي كرجل مسن خليجي يبحث عن فتاة صغيرة مصرية للزواج، أو المتطرف الذي يُصدر إلى مصر التشدد والإرهاب، فإنه رغم ذلك لا يجعلني كخليجي أعامله بسلبية، بل إنني أرى جماليات حرفيته في أعماله والإبداع في نصوصه، وأعتقد أن عُقدة المثقف العربي تجاه الشخصية الخليجية ستحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تحل و"يشفون" منها!
أخر كلام
ماذا لو كان عندنا... وحيد حامد؟!
08-09-2016