6/6 : الوجع العام
بداية، نبارك ونهنئ المشمولين بالمكرمة الأميرية، سواء بالعفو عن بعض المحكومين، أو بالإعفاء عن باقي مدد العقوبة أو تخفيضها، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، كما نقلته وسائل الإعلام عن مصدر من الديوان الأميري.هذه المنهجية الرحيمة ليست مستغربة على حكام الكويت المتعاقبين، الذين لم يترددوا في الترفق بأبناء شعبهم كلما اشتدت بهم الخطوب، وليست مستبعدة عن سمو "شيخنا العود"، بأبوته الكريمة لجميع الكويتيين الذين عمّدهم بعبارته التاريخية (هذولا عيالي)، وها هو اليوم يؤكدها بعفوه عند المقدرة كأميرٍ (للسمو والتسامي الإنساني والأبوي)، وكلنا أمل بشمول هذه المكرمة أوسع نطاق من المحكومين، لأن قدر الكبار أن يكونوا كباراً.نأمل، انطلاقاً من هذا الحدث، أن نؤسس لمرحلة جديدة من التصالح والوئام السياسي، وتجاوز حالة الاحتقان الخانقة، التي اكتنفتنا منذ ما يزيد على خمس سنوات تردَّى عبرها الإنجاز، واستعرت معارك التربص، وتشظَّى فيها المجتمع أطيافاً وجماعات، وشهدت البلاد أسوأ حالات "التراجع الحر والمتوالي" في شتى الميادين وإلى حدود غير مسبوقة، وأصبح عنوان المرحلة "اللاإنجاز في زمن اللامعارضة!".
إن حالات الفساد الإداري والمالي والِقيمي التي وصلنا إليها تحت سطوة "مؤسسة الفساد السرية"، والتي عبَّرت عنها في مقالتي السابقة، ولّدت "وجعاً عاماً" أصبحنا نقرأه في عيون أبنائنا وأحفادنا وهم يتطلعون إلى غدٍ مجهول المصير سوف يرثونه من هذه المرحلة المتردية (مع الأسف)، والتي أهدرنا فيها فرصاً ومكاسب كبيرة في ميادين البناء والنهوض الحضاري مادياً وبشرياً، والذي سبقتنا إليه شعوب وأمم أخرى أقل منا إمكانيات وقدرات، وغدونا كمن يصرخ طلباً للإنقاذ، وهو تحت سطوة كابوس منام ثقيل لا يسمعه فيه أقرب القريبين إليه.نأمل أن تشرق علينا بعد مكرمة "العفو الأميري" مرحلة يسودها التفاؤل الذي أطفأه التشاؤم المستحق، بسبب المراحل الماضية، وأن تعي السلطات والقوى السياسية والمجتمعية جميعها مقدار الوجع العام الذي يكابده الناس في حياتهم اليومية، والذي لا تكفيهم فيه مقولات "شتبون بعد؟ ماكلين شاربين آمنين في بيوتكم!"، لأن هذا حقنا المشروع، مثلما هو حقنا في تنمية أفضل، وإدارة حكومية أفضل، وتمثيل نيابي أفضل، ورعاية تعليمية وصحية أفضل، وكذلك هو حقنا في نظام تشريعي ورقابي وإداري ومالي وتنظيمي خالٍ من الفساد والرشوة والإثراء السريع والمشبوه الذي تلبس البعض من المعدمين، فأصبحوا فجأة من أصحاب الملايين دون جهد بيّن أو مصدر معلوم. لنا كل الحق في المطالبة بوقف إهدار مبادئ تكافؤ الفرص، ووقف الواسطات والمحسوبيات، وتجيير المال العام للمصالح الخاصة للبعض من النواب والمنتفعين من العلاج السياحي، وغيرها من صور التنفيع المدفوعة أكلافه من الخزينة العامة.شاعرنا الراحل الكبير المرحوم صالح النصرالله قال وصدق بوصف حالنا في الكويت:(ناس أرغدوا وأثروا وهم مستريحين، واللي إشتقوا ما حصّلوا إلا الهبّني*.)يا سادة:من حقنا أن نحلم بغدٍ أفضل.* الهبّني: اللاشيء